حقًّا، إنّ طَلَبَ "لا تَنسَيْ أن تَلبَسِي مِعطَفَكِ" هو إحدى الجُمَل الأكثر تردُّدًا، والّتي يقولها الآباءُ لأبنائهم.
غالبيّةُ الأمراضِ في الشّتاء سَبَبُها الفيروسات، والحِمايةُ منها متعلّقَةٌ بشكلٍ أساسيّ بفعاليّة جهاز المناعة الذّاتيّة، لأنّ المضادّاتِ الحيويّة تعمَلُ بنجاعَةٍ ضدَّ البكتيريا، ولا تَعمَلُ ضدَّ الفيروسات.
يُسمَّى الزّكام أَيضًا "التهابًا حادًّا في أعلى الحلق والأنف" (Acute Nasophatyngitis)، ويسبّبه عددٌ من أنواعِ الفيروسات منها فيروس الكورونا (في الصّورة العليا). فهي تسبِّبُ المرضَ الشَّائع في مَسالك التنفّس العُليا، وأعراضُهُ الشّائعة هي آلامُ في الحلقِ، والعُطاس، والزّكام، والتُّخمةُ في الأنف، والسُّعال، والمخاط، والصُّداع، والضّعف العامُّ، والإرهاق. تُرافِقُ العدوى بفيروس الإنفلونزا (في الصّورة الثّانية) أعراضٌ مشابهةٌ، لكن بحدّة أكبر، كذلك بارتفاع ٍحادٍّ في درجةِ حرارةِ الجسم.
فيروس الكورونا (corona virus) | ) نقلاً عن ويكيبيديا; أنتجها Nilses
فيروس الإنفلونزا- بالأزرق: غلافُ الفيروس بالأحمر، وبالورديّ الزّلاليّات الضّروريّة لعمله.
| نقلاً عن ويكيبيديا; أنتجها Jkpjkp.
اِحتمالُ الإصابةِ بالمرض في الشّتاء أعلى. بيّنَتِ الأبحاثُ أنّه توجد علاقةٌ بين حالة الطّقس الشّتائيّة، وبينَ انتشارِ فيروس الإنفلونزا، وأمراضٍ أُخرى مرتبطة بتلوّثاتِ المسالك التَّنفسيّة. على سبيل المثال، وَجَدَ بَحثٌ أُجريَ في فنلندا أنّ تردُّدَ الإصابة بتلوّثاتٍ في المسالك التنفسيّة يرتفعُ معَ انخفاضِ درجة الحرارة والرُّطوبة، كما يحصل في الشّتاء في إسكندنافيا.
يؤثّر البرد علينا في مُستَوَيَيْنِ: في المستوى السُّلوكيّ وفي مستوى العمليّات البيولوجيّة الّتي تحدُثُ في جسمنا. كلا المستوَيَيْنِ من شأنه التَّأثير على احتمال حُصولِ المرض.
1. عندما يبرُدُ الطّقس في الخارج، يميلُ غالبيّة النّاس إلى التَّجمُّع داخلَ غرف مغلقة، والّتي تكونُ ظروفُ التّهوِئة فيها، في غالبيّة الأحيان، سيّئةً، وقليلٌ من هواءِ الخارج يدخُلُ إليها. لذلك تتراكمُ فيها الملوّثات والموادُّ السّامَّةُ، والقليلُ من الأُكسجين النّقيّ. نقصُ التّهوئة يهيّئ أرضًا خصبةً لنقل الفيروسات بين الأشخاص. أَضِفْ إلى ذلك، أنّهُ في الأجواء الشّتائيّة، تكونُ فُرصُ ممارسة التّمارين الرّياضيّة والتّجوّل في الهواءِ الطّلق قليلةً عامّة، لأنّه لا يوجدُ أفضلُ من التّمارين الرّياضيّة والهواء النّقيّ لتحفيز الفعاليّات السّليمة لأجهزة الجسم، لاسيّما جهاز المناعة.
2. فَحَصَ الباحثُونَ فرضيّة احتمالِ المرض عندَ انخفاضِ حرارة الجسم. في التّجربة الّتي أُجريت سنة 2005 في جامعة كارديف، تبيّنَ أنّه توجد علاقةٌ بين التَّعرّض للبرد (وضع الأرجل داخلَ مياهٍ باردةٍ لمدّة زمنيّة ثابتةٍ خلالَ فترة التّجربة)، وبين ظهورِ أعراضِ الزّكام.
هنالك عدّة طرائقَ لشرح كيف يؤثّر البرد سلبيًّا على الجسم: عندما نبرُدُ، ينخفِضُ تدفّقُ الدَّم إلى أعضاء الجسم، وهذا يصعّب على جهاز المناعة العملَ بِصُورتِهِ المثلى. أضِفْ إلى ذلك أنّهُ في شُروط البرد والجفاف، تَجِفُّ مخاطيّة الأنف، وتَظهرُ صعوبةٌ في منع دخولِ الأمراض عن طريق الأنف، وهكذا تضعُفُ المقاومةُ الطّبيعيّة للجسم أمامَ الملوّثات.
ماذا يحدث للفيروسات في البرد?
كما هو معروف، فإنّ الموادَّ الكيميائيّة والبيولوجيّة تميلُ إلى تغيير مبناها وسلوكها وَفقًا للشّروط البيئيّة. تكونُ الفيروسات، على سبيل المثال، أَكثرَ ثباتًا في شُروط البرد والجفاف، أي أنّها تَستطيعُ الصُّمود أمامها لزمنٍ أطول. غالبيّة الفيروسات محاطةٌ بغلاف يشبِهُ الجِلّ مبنيٌّ من جُملةِ موادّ منها الزّلاليّات الّتي تميل لتغيير مبناها في درجات الحرارة العالية. الغلاف حيويٌّ للفيروس، لأنّ بواسطته يتمكّنُ مِنَ الدُّخول إلى خلايا الجسم والتّكاثر فيها (وكلُّ هذا ونحن ملتفُّونَ حولَ أنفُسِنَا تحت البطّانيّة، نَدمَعُ وأنفُنَا يَرشَحُ).
وإن لم يكن هذا كافيًّا، فهنالك فيروساتٌ تتحوّل في ظروف البرد خاصَّةً، إلى فيروساتٍ عنيفةٍ ومؤذية أكثر منها في ظروفٍ أُخرى. كذلك البكتيريا، فإنّها لا تَقِفُ موقِفَ الحياد، منها ما يعيشُ بشكلٍ دائمٍ داخلَ أعضاءِ جهاز التَّنفّس. في الأيّام والشّروط العاديّة لا تسبّب أيَّ ضرر، لكن عند تغيُّر شروط البيئة تتحوّل إلى نشيطة (وعلى حسابنا أيضًا).
جهاز التنفّس | نقلاً عن ويكيبيديا; أنتجها - يوسي
دعيني أسألك:
لماذا التَّجمّعُ والبقاءُ داخلَ غُرَفٍ سيئة التّهوئة تسبّب للأشخاص عدوى أكثرَ للمرض؟ الغرفُ المغلقةُ أقلُّ برودةً مِنَ الهواء الباردِ في الخارج! إليكِ رمزًا: اِقرإي الفصلَ عَنِ الإنفلونزا في الويكيبيديا.
إجمالًا، نتمنّى لكِ الصّحّة الوافرة، ولا تَنسَيْ أن تَلبَسِي المعطف، هل هذا مفهومٌ؟