لا بدّ من أنّ معظمنا قد اختبر التّشنّجات اللّحظيّة التي تحدث للعين. لماذا يحدث هذا؟ وهل يُعدّ ذلك خطيرًا؟

 التّقلّص العضليّ الموجيّ أو ما يُعرف بالميوكيميا (myokymia)، هو رعشة لا إراديّة وعفويّة تحدث للعضلات في الجسم. عندما يحدث هذا للعضلات المحيطة بالعينين، فقد يصفُ البعضُ منّا ذلك بأنّ العين قد "انتفضت" - وهي ظاهرة عادة ما تطول بضع ثوان. ولكن قد يحدث وأن تتكرّر هذه الظّاهرة بوتيرة عالية لعدّة أيّام وحتّى أنّها قد تستمر بضعة أسابيع، وحينها قد تصبح مزعجة وحتّى مثيرة للقلق.

تنبع هذه التّشنّجات من فعاليّة إحدى العضلتين اللّتين تتحكّمان بفتح وإغلاق الجفن. الأولى هي العضلة الدّويريّة العينيّة (Orbicularis oculi muscle) المسؤولة عن إغلاق الجفن والثّانية هي العضلة رافعة الجفن العلويّة (musculus levator palpebrae superioris) المسؤولة عن فتح الجفن. لا تنبئ رعشة العضلات عادةٍ عن ضررٍ ما، وتتوقّف من تلقاء نفسها بعد وقت قصير.

غالبًا ما تحدث هذه "النفضات" نتاج الإرهاق المبالغ والضّغط النّفسيّ والوهن أو الإفراط في تناول الكافيين. وقد تتطوّر أيضًا كتأثير جانبيّ لاستخدام بعض الأدوية، مثل الـ Flunarizine المستعمل لعلاج الصّداع النّصفيّ والصّرع أو الـ Clozapine الشّائع استعماله في علاج الاضطرابات النّفسيّة. بالإضافة إلى ذلك، تنتج الميوكيميا أحيانًا كأثر جانبيّ لحالات مختلفة مثل التّصلّب المتعدّد أو بعد علاج بالأشعّة. الآليّة الكامنة من وراء تشنّجات عضلات الجفن ليست واضحة تمامًا، ولكن يبدو أنّها مرتبطة باضطرابات في قنوات معيّنة في الخلايا العصبيّة. عندما يتمّ تنشيط الخليّة العصبيّة، تعمل هذه القنوات على إدخال أيونات من خارج الخليّة إلى داخلها، حيث تبدأ بهذا عمليّة نقل التّعليمات إلى عضلات الجفن.

אדוות שרירים בעפעף | צילום: Leitz31337, Wikimedia Commons
ارتعاشات العين مرتبطة بالضّغط النّفسيّ، التّعب، الكافيين، تناول أدوية معيّنة وغيرها. التّقلّص العضليّ الموجيّ في الجفن | صورة: Leitz31337, Wikimedia Commons

 

الاتّصالات بين الدّماغ والعضلات

 تأثير اضطرابات القنوات العصبيّة متعلّق بطريقة أداء عمل عضلاتنا. توجد في أجسامنا،  في قشرة الدّماغ الحركيّة Motor Cortex تحديدًا، خلايا عصبيّة حركيّة (motor neurons)، الّتي تتحكّم في حركاتنا، في جذع الدّماغ أو في النّخاع الشّوكيّ. تمتدّ من هذه الخلايا العصبية إلى عضلات الجسم ألياف طويلة تدعى محاور/ألياف عصبيّة (axons). تسمّى نقطة التقاء المحور العصبيّ مع العضلة بالمشبك العصبيّ (synapse)، ولها دورٌ مهمّ جدًّا في عمليّة انقباض العضلات.

عندما تكون الخليّة العصبيّة في حالتها الفعّالة، فإنّها تنقل بواسطة هذا الملتقى إشارة تملي على العضلة الملائمة بالانقباض، أي التّحرّك. تتعلّق عمليّة إرسال الإشارة بالقنوات الموجودة في الخلايا العصبيّة. يعتمد الاتّصال السّليم بين الخليّة العصبيّة والعضلة بعدّة أمور، بما فيها تركيز الكالسيوم داخل الخلايا وخارجها، وبوجود  "النّاقلات العصبيّة" الّتي هي جزيئات مسؤولة عن الاتّصال تفرز في الملتقى بين العصب والعضلات.

قد تؤدّي اضطرابات معيّنة في القنوات إلى إخلال التّوازن البيوكيميائيّ في الملتقى بين العصب والعضلة في عضلات الأجفان، ممّا يؤدّي إلى الأداء العفويّ و/أو اللّا إراديّ للخلايا العصبيّة الّذي بدوره يسبّب التّقلّص العضليّ الموجيّ اللّا إراديّ، وينتهي بالنّفضة المزعجة في الجفن. في محاولةٍ للحدّ من حدوث هذه الظاهرة، يوصى بأنّ يتبنى من يعاني من نفضة العين بعض التّغييرات في أسلوب الحياة، كالنّوم لساعات أطول في اللّيل وتقليل ساعات العمل أمام شاشات مضيئة متحرّكة، تخفيف تناول القهوة والمشروبات الخفيفة الّتي تحتوي على الكافيين وطبعًا تقليل الضّغط الجسديّ والنفسيّ.

في الحالات القصوى، تتفاقم رعشة العضلات إلى حدٍّ تسبّب فيه تشنّجًا في الجفن يسمّى بـ(Blepharospasm)، حيث تتشنّج عضلات الجفن بصورةٍ مفرطة ممّا يؤدّي إلى إغلاق للعين بشكل لا إراديّ. يعتقد الباحثون أنّ مصدر هذه التّشنّجات ليست الخلايا العصبيّة الحركيّة نفسها، وإنّما في بداية السّلسلة العصبيّة في الدّماغ - خلل ما في فعاليّة العقد القاعديّة (Basal nuclei): هي مناطق دماغيّة تلعب دورًا مهمًّا في تنسيق السّلوكيّات، الّتي تشمل الحركة.

لا يوجد علاج للـ Blepharospasm، ولكن تمّت الموافقة في بعض الدّول على معالجته بواسطة حقن مادّة "بوتولينيوم" المستخرجة من سموم جرثومة في الجفون، وهي نفسها مادّة البوتوكس المعروفة لنا جميعًا. تمنع هذه المادّة إفراز النّاقل العصبيّ Acetyl choline من الخلايا العصبيّة المتّصلة بالعضلات. تعطيل هذه العمليّة تؤدّي إلى وقف انقباض العضلة وشلّ عملها نوعًا ما. وقد وُجدَ بأنّ هذا يحدّ بشكل ملحوظ من تشنّجات الأجفان لدى المرضى. طبعًا البوتولينيوم لا يعالج العُطل الدّماغيّ، ولكنّه يساهم في تجنّب نتيجته المزعجة، ألا وهي إغلاق العينين اللّا إراديّ.

 
 
 
الترجمة للعربيّة: د. ريتّا جبران
التحرير اللغوي والعلمي: رقيّة صبّاح أبو دعابس
 

0 تعليقات