عند نهاية التوقيت الصيفيّ، يُطرَح التساؤل حول إيجابيات تغيير الساعة وسلبيّاتها. هل يوفّر التوقيت الصيفي الكهرباء حقًّا؟ ماذا يحدث على الطُرقات؟ وما هو تأثيره على الصحّة؟
انتهى الليلة التوقيت الصيفيّ في إسرائيل وقمنا بإعادة عقارب الساعة ساعةً واحدةً إلى الوراء. هل تستحقّ ساعة النوم التي ربحناها، الظلام الذي سيبدأ مبكّرًا أكثر؟ وما هو المنطق وراء مراسم ضبط الساعة مرّتين في العام؟
في عام 1784، كتب بنجامين فرانكلين، سفير الولايات المتحدّة في فرنسا آنذاك، رسالة إلى جريدة "ذا جورنال أوف باريس" (The Journal of Paris)، واقترحَ للفرنسيين بهدف تحصيل الفائدة: بدلًا من الإستيقاظ متأخرًا والبقاء مستيقظين طوال الليل، من المُفضّل الاستيقاظ عند شروق الشمس والخلود للنوم مبكّرًا. قام فرانكلين بالحساب، ووجد أنّه وبهذه الطريقة سيكون الفرنسيّون قادرين على توفير حوالي 29 مليون كيلوغرام من الشمع كلّ عام. هذا هو بالضبط المنطق من وراء تغيير الساعة: ملاءَمة ساعات استيقاظ المواطنين لساعات شروق الشمس، وذلك بهدف توفير الطاقة المهدرة على الإضاءة. في فصل الصيف لدينا ساعات ضوء أكثر خلال اليوم، لذلك من المستحسن الإستيقاظ باكرًا حتى لا نخسرها في النوم. كمكافأة أيضًا، نحصل في الصيف على ساعة إضافية من الضوء في المساء.
في إسرائيل، نظرًا لموقعها الجغرافيّ، تشرق الشمس في ذروة فصل الصيف حوالي ساعتين أبكر من موعد إشراقها في ذروة فصل الشتاء. فلو لم نعتمد نظام تغيير الساعة، لأشرقت الشمس في شهر حزيران حوالي الساعة 4:30 صباحًا، بالتالي، من يستيقظ عادةً في تمام الساعة السادسة صباحًا، سيفقد حينها ساعة ونصف من الضوء. بدلًا من ذلك، يؤدّي تغيير الساعة في الصيف إلى شروق الشمس عند الساعة 5:30 تقريبًا. بالمقابل، لو اعتمدنا التوقيت الصّيفيّ في فصل الشتاء أيضًا، لأشرقت الشمس في شهر كانون الثاني عند الساعة 7:30 صباحًا تقريبًا - بالتالي لنهض المستيقظون في الظلام.
بنجامين فرانكلين، لوحة جوزيف سيبارد دوبليسيس. من مشروع محرك البحث "جوجل" للفن والثقافة، حقوق النشر محفوظة :معرض الصور الوطني(National Portrait Gallery)، هدية من مؤسسة موريس وجويندولين كافريتس.
المدخرات المتعلقة بالجغرافيا
تم إعتماد التوقيت الصيفيّ للمرّة الأولى في ألمانيا وبريطانيا خلال الحرب العالميّة الأولى، في الفترة الّتي كان فيها أيّ توفير إقتصادي مهمًّا للغاية. لكن في عصرنا ،هل يبرّر التوفير في طاقة الإضاءة كلّ هذه الفوضى؟
نظرًا إلى حصّة الطاقة المستهلكة في البيوت من إجمالي استهلاك الطاقة في الاقتصاد، وحصّة الإضاءة من الطاقة المستهلكة، قدّر باحثون من كندا أنّه بعد تغيير الساعة للتوقيت الصيفيّ، فإنّ التوفير من معدّل الطاقة الكهربائيّة المستهلكة يتراوح بين واحد حتّى نصف في المائة يوميَّا. قد تبدو هذه النسبة صغيرة للغاية، لكن هذا المقدار من الكهرباء يمكن أن يمدّ مائة ألف بيت بالطاقة لمدّة عام، كما وأنّها تعادل التوفير الذي تمّ تحقيقه بعد دخول المصابيح الموفّرة للطاقة (Compact fluorescent lamp) إلى السوق.
مع ذلك، يشير باحثون آخرون إلى أنّه في التوقيت الصيفيّ، يعود الناس من العمل خلال ساعات مضيئة ودافئة أكثر، بالتالي يقومون بتشغيل مكيّفات الهواء أكثر، ممّا قد يؤدي إلى الموازنة بل تجاوز التوفير بطاقة الإضاءة. إذا لم يقتصر تفكيرنا على الطاقة الكهربائيّة فقط، بل على الوقود أيضًا، فإنّ ثمن التوقيت الصيفيّ يرتفع أكثر: نظرًا لمكوث الناس في البيت ساعةً إضافيّةً خلال ساعات النهار، فهم يميلون إلى السفر أكثر وبهذا استهلاك الوقود أكثر.
الثمن الصحّي
سلّطت دراسات أخرى الضوء على آثار تغيير الساعة على الصحّة العامّة: المزيد من ساعات الضوء تشجّع على ممارسة النشاط البدنيّ، وتساعد في إنتاج فيتامين د (Vitamin D) في الجسم. من ناحية أخرى، فإنّ أشعّة الشمس مسرطنة، وضبط الساعة مرتين في العام يسبّب إضطرابات في النوم ويزيد من خطر الإصابة بالنوبة القلبيّة.
ماذا لو اعتمدنا التوقيت الصيفي كلّ السنة؟ من يحتاج للتوقيت الشتويّ؟ بالنسبة لمن لا ينهض باكرًا بل يستيقظ في حوالي الساعة السابعة أو الثامنة صباحًا، قد يبدو هذا الاقتراح فكرة جيّدة - الاستيقاظ بعد شروق الشمس والاستمتاع بساعة إضافيّة مشمسة في المساء، ويجدر بالذّكر أنّ هنالك حِراكات تدعو إلى ذلك في جميع أنحاء العالم. في عام 2011، ألغت روسيا التوقيت الشتويّ للحصول على توقيت صيفيّ أبديّ. لكن في عام 2014، أعاده الرئيس بوتين بعدما اشتكى المواطنون المعارضون الذين يضطرون إلى الاستيقاظ باكرًا، من إنّهم يستيقظون في الظلام وِفقًا لهذا التوقيت. كما وأنّهم ادّعوا أنّ التوقيت الصيفي يتسبّب بزيادة عدد حوادث الطرق في ساعات الصباح المُعتِمة.
أيّهما أفضل، توقيت صيفيّ على مدار السنة؟ أم فقط في الصيف؟ أو ربما بتاتًا؟ يبدو أنّ الإجابة شخصيّة وتتعلّق بجدول الأعمال، الأنشطة الترفيهيّة وساعات العمل المفضّلة لكلٍ منّا. أمّا بالنسبة للإيجابيّات الموضوعيّة، فإنّ عالم البحث منقسم. هنالك إجماع على أنّ التوقيت الصيفيّ يؤدّي إلى توفير طاقة الإضاءة، لكنّه وبالنظر إلى تأثيره الكلّيّ فهو ما زال مثيرًا للجدل.