ليس من الواضح ما إذا كان التخاطر موجودًا بالفعل في الواقع، لكنّ الأحداث الّتي تشير ظاهريًّا إلى وجوده قد يكون لها تفسير مختلف تمامًا

في نهاية القرن التاسع عشر، طوّرت مجموعة من الباحثين من جمعيّة دراسة النفس في بريطانيا اهتمامًا بالإدراك خارج الحواسّ (الحاسّة السادسة)، وعلى وجه الخصوص في التخاطر- القدرة (الافتراضيّة، على الأقلّ في هذه المرحلة) على قراءة أفكار أو مشاعر شخص آخر. لقد سمعوا عن الأخوات كريري (Creery)، خمس أخوات يعشن في بلدة صغيرة وقد زعمن أنّه بإمكانهنّ إرسال واستقبال الأفكار فيما بينهنّ، وقرّروا اختبار هذا الادّعاء في ظلّ ظروف خاضعة للرقابة. كانت التجارب بسيطة: تقوم إحدى الأخوات بالتركيز على شيء، رقم أو كلمة، بينما تحاول أخت أخرى، في غرفة أخرى، "استقبال" الفكرة وطُلب منها الإشارة إلى ماهيّتها. أظهرت الأخوات مستوى عالٍ من الدقّة، وغالبًا ما تمّ تحديدهنّ بشكل صحيح. وأثارت القصّة ضجّة في المجتمع العلميّ، لكنّها أخذت منحًى غير متوقّع عندما اعترفت الشقيقتان بغشّهما في بعض التجارب. وكانت واحدة من أقدم وأبرز التجارب في هذا المجال الّذي سمّي فيما بعد بعلم النفس، وقد أثّرت في مستقبل البحث في هذا المجال. توضّح هذه الحكاية مدى أهميّة التشكيك في دراسات من هذا النوع، والتخطيط لها بشكل نقديّ وصارم.

تُعرّف ظواهر الحاسّة السادسة على أنّها عمليّات شاذّة لنقل المعلومات أو الطاقة، والّتي لا يمكن تفسيرها باصطلاحات للآليّات الفيزيائيّة أو البيولوجيّة المعروفة. يُصنّف التخاطر كظاهرة علميّة زائفة في مجال علم النفس الموازي- Parapsychology، حرفيًّا: ما وراء علم النفس؛ مجال يحاول التحقيق علميًّا في إمكانيّة الإدراك الفائق للحواس- حيث لا يوجد دليل قوي لا لبس فيه على وجوده. من وجهة نظر عصبيّة، التخاطر مستحيل، لأنّ الدماغ يعمل بواسطة إشارات كهربائيّة وجزيئات كيميائيّة تعمل كموصلات عصبيّة، ولا يخرج أيّ منها خارج الجسم- على الأقلّ ليس بقدر ما هو معروف حاليًّا.


عمليّات شاذّة لنقل المعلومات أو الطاقة، والّتي لا يمكن تفسيرها باصطلاحات الآليّات الفيزيائيّة أو البيولوجيّة المعروفة. تجربة البطاقات لاختبار الحاسّة السادسة، 1940 | مصدر: Francis Wickware, Wikimedia

مباراة الجمهور الكبير

أحيانًا، يحاول الأشخاص الّذين يعرّفون أنفسهم على أنّهم "ذوو حاسّة سادسة" أو "روحانيّون" خلق انطباع بأنّ لديهم قدرات إدراكيّة فوق حسّيّة. وأحيانًا، عندما يتمّ تقديم الأداء أمام جمهور كبير، تتمّ محاولة إرسال رقم عن طريق "التخاطر". قد يطلب الشخص الروحانيّ من الجمهور تخمين الرقم الّذي يفكّرون فيه، بين واحد وعشرة، ويقدّم الأشياء كما لو أنّ 10 بالمائة من الجمهور من المفترض أن يخمّنوا الرقم بالصدفة. إذا كان أكثر من 10% قادرين على التخمين، فهذا يعني أنّ الجمهور كان قادرًا على تلقّي الرسالة بشكل تخاطريّ. بعد ذلك، يُطلب من الجالسين بين الجمهور رفع أيديهم إذا فكّروا في الرقم سبعة. في حالة وجود جمهور كبير، قد يرفع أكثر من 30 بالمائة من المشاهدين أيديهم. هل هذا يعني أنّ نقل العقل التخاطريّ قد حدث؟ ليس بالضرورة.

التفسير النفسيّ لهذه النتيجة المفاجئة هو ظاهرة تُسمَّى الصورة النمطيّة السكانيّة. عندما نواجه مَهمّة من هذا النوع، فإنّنا نميل إلى افتراض أنّ رقمًا عشوائيًّا "سيلمع في أذهاننا"، وبالتالي نتوقّع أن يتمّ توزيع النتائج بالتساوي تقريبًا، اعتمادًا على عدد خيارات الاستجابة. ولكنّ هذا ليس ما يحدث في الواقع. فعليًّا، نحن نميل إلى الاستجابات غير العشوائيّة، حتّى عند وجود إمكانيّة الاختيار من بين مجموعة واسعة من الخيارات.

تتكرّر هذه الظاهرة أيضًا في مهامّ مماثلة تختلف تفاصيلها قليلًا، مثل محاولة "النقل التخاطريّ" لشكل أو لون معيّن. عندما يُطلب من الأشخاص اختيار لون عشوائيّ، يميل الأشخاص إلى اختيار اللون الأزرق في كثير من الأحيان. إنّ الاحتماليّة العالية لاختيار الرقم سبعة واللون الأزرق أعطت اسمها لهذا التأثير، وهو ما يعرف بظاهرة سبعة- أزرق.


من الممكن تفسير النجاح المفترض للحاسّة السادسة بمساعدة ظاهرة الصورة النمطيّة لتعداد السكّان. "قراءة أفكار" أثناء عرض أمام الجمهور، 1900 | مصدر: Library of Congress

أرقام سحريّة؟

لماذا من المرجّح أن يتمّ اختيار الرقم سبعة، وليس، على سبيل المثال، واحد، خمسة أو عشرة؟ لا يزال السبب في ذلك غير واضح، ولكن هناك عدّة تفسيرات محتملة: قد يُنظر إلى الرقم على أنّه فريد ومثير للاهتمام لأنّه رقم أوّليّ، أو أرقام تقع في نهايات النطاق أو في منتصفه، مثل واحد، خمسة وعشرة تعتبر بديهيّة. ومن الناحية الثقافيّة، يظهر هذا الرقم مرّات عديدة في سياقات دينيّة وتاريخيّة- من بينها الخطايا السبع في المسيحيّة، وأيام الأسبوع السبعة وحتّى الأقزام السبعة في "بياض الثلج"- ويعتبر رقمًا جالبًا للحظّ في العديد من الثقافات. ربّما هذه الخلفيّة تجعله أكثر جاذبيّة لبعض الناس.

إذا كان الأمر كذلك، فإنّ ردود الفعل تجاه "حيل" الأشخاص الّذين لديهم حاسّة سادسة تميل إلى التجمّع بطرق يمكن التنبّؤ بها، خاصّة عندما يتعلّق الأمر بجماهير كبيرة. لقد شارك العديد من الأشخاص تجاربهم السابقة مع الأرقام، الصور والكلمات وما شابه ذلك لأسباب ثقافيّة. وبالتالي، فإنّ بعض العناصر تكون متاحة لنا بشكل معرفيّ أكثر- "تتبادر" إلى أذهاننا بوتيرة متكرّرة أكثر- بسبب سياقاتها السابقة. ومن المهمّ أن نلاحظ أنّ ظاهرة الصورة النمطيّة لتعداد السكّان لا تدّعي تفسير ظواهر الإدراك غير الطبيعيّ، مثل التخاطر، وبالتالي لا تستبعد بالضرورة وجود الحاسّة السادسة. هذا مجرّد مثال على استخدام هذه الظاهرة لخلق انطباع بالتخاطر، حتّى لو لم يكن هناك أيّ انطباع بذلك بالفعل.


تتمّ تغطية العينين والأذنين حتّى لا يتلقّى الدماغ أيّ محفّزات من البيئة الخارجيّة تؤدّي إلى حدوث حرمان حسّيّ. امرأة تشارك في تجربة غانزفيلد | مصدر: Jeremy Walker / Science Photo Library

وماذا عن المستقبل؟

تستمرّ الأبحاث في مجال الحاسّة السادسة حتّى يومنا هذا، على الرغم من الشكوك والصعوبات. ومن التجارب الشائعة في هذا المجال تجربة تُسمّى تجربة غانزفيلد (Ganzfeld)، حيث تتمّ تغطية العينين والأذنين، حتّى لا يتلقّى الدماغ أيّ محفّزات من البيئة الخارجيّة من خلال حاسّتَي البصر والسمع، ما يخلق حرمانًا حسّيًّا. وعادةً ما تبدأ الهلوسة البصريّة والسمعيّة بعد بضع دقائق. على سبيل المثال، في محاولة للتحقيق في التخاطر، يحاولون نقل رسالة والتحقّق ما إذا كانت الهلوسة الّتي يراها شخص يغطّي عينيه تشبه تلك الرسالة.

يرى بعض الباحثين أنّ مثل هذه التجارب قادرة على إظهار أدلّة على وجود الحاسّة السادسة، في حين يرى آخرون أنّه حتّى لو توصّلت بعض الدراسات إلى أيّ دليل، فإنّ هذه تأثيرات صغيرة لا يمكن إعادتها مرّة أخرى. يزعم البعض أنّ استخدام النماذج التقليديّة في علم الأعصاب، والّتي لا تسمح بتمثيل حقيقيّ للظاهرة، هو سبب تضارب الأدلّة، ويجادلون بأنّ البحث في هذا المجال يتطلّب استخدام نماذج جديدة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ العديد من الدراسات في هذا المجال تشمل مشاركين غير مرتبطين عاطفيًّا ببعضهم البعض، أو الّذين لا ترتبط مهامّهم عاطفيًّا بالمشاركين. وفقًا لبعض الدراسات، فإنّ التجارب المشتركة غير العاديّة، مثل التواصل بين العقول المنفصلة، ​​تميل إلى أن تكون شخصيّة ومشحونة عاطفيًّا، ويميل الأشخاص الّذين لديهم رابطة عاطفيّة قويّة مع بعضهم البعض، مثل التوائم المتطابقة، إلى الإبلاغ عن مثل هذه التجارب بشكل أكبر.

على الرغم من الشكوك، هناك مجال لإجراء المزيد من البحوث المفتوحة حول هذا الموضوع، بما في ذلك بمساعدة أساليب البحث المبتكرةــ على افتراض أنّ ظروف البحث خاضعة لسيطرة سليمة ودقيقة.

استجابة واحدة

  • 🦂

    🦂

    موضوع جميل ورائع، تخاطر وحاسه سادسه ،حقيقيه ١٠٠٪؜
    واختيار الموضوع يدل على ذلك ، 😍