من أين لبطارية الأجهزة الإلكترونيّة المعلومات عن نسبة شحنها؟
تظهر أيقونة (رمز) البطارية في أعلى أو في أسفل شاشة الهاتف الخلويّ والحاسوب النقّال. قد يبدو لنا طبيعيًّا أن "يعرف" الجهاز الذي يكاد لا يفارق أيدينا، نسبة شحن البطارية التي يعمل بالطّاقة التي توفّرها، وأن "يعرف" كم من الوقت يمكننا مزاولة العمل به بلا قلق. تحدث عمليّات هندسيّة مثيرة للاهتمام في الطريق، لإظهار أيقونة البطارية ونسبة شحنها: هيا بنا نتعرّف على هذه العمليات.
تحتوي الغالبيّة العظمى من الهواتف الذّكيّة والحواسيب النقّالة على بطّاريّات اللّيثيوم - أيون. يُسمّى مقياس شحن البطاريات، بما فيها بطاريات الليثيوم - أيون، بالاسم المهنيّ SOC - وهي الأحرف الأولى من كلمات المصطلح الإنجليزي State of Charge (وضعيّة الشحن). يعطي هذا المؤشّر تقديرًا لِكمّيّة الشحنة الكهربائيّة المتوفّرة بوحدات أمبير- ساعة. تشير الشّحنة الكهربائيّة لجُسيم ما إلى قدرته على التّفاعل مع الحقل الكهربائيّ، كما وترتبط بِكمية الطّاقة المتوفّرة للاستخدام، والتي تُحسَب عن طريق ضرب قيمة الجهد الكهربائيّ بِمقدار شحنة الجسيم. يُستخدم، إلى جانب SOC، المقياس SOH، وهي الأحرف الأولى من كلمات المصطلح الإنجليزيّ State of Health (الحالة الصّحّيّة للبطاريّة)، الّذي يشير إلى قدرة البطاريّة على خزن الطّاقة الكهربائيّة، ثمّ تزويدها لِلجهاز الكهربائيّ - مقارنةً ببطارية جديدة لم تُستَخدم بعد.
يُفترض أن يهتم منتجو البطاريّات بالدّرجة الأولى، بالإضافة للمستخدم، بالمقاسات SOC و SOH، فهم يودّون أن يطول "عُمر" البطاريات التي ينتجونها وأن تكون مقاومة للصدمات والظروف المحيطة. هناك ثلاث طرق رئيسة لحساب SOC.
تحدث عمليّات هندسيّة مثيرة للاهتمام في الطريق لعرض أيقونة البطاريّة ونسبة الشحن على شاشة الجهاز. هاتف ذكي ببطاريّة مشحونة بنسبة 82% | Shutterstock, DenPhotos
طريقة عَدّ الشّحنات
هذه هي الطّريقة الأكثر استخدامًا ورواجًا، على الأقلّ بما يتعلّق ببطاريّات الليثيوم - أيون. من السّهل نسبيًّا قياس التّيار الكهربائيّ، الذي يُعبّر تجريديًّا، عن سرعة الشّحنات - أو بالأحرى، تغيّر كمّيّة الشّحنة مع الزّمن. يمكن حساب مقدار الشّحنة المُتاحة عن طريق قياس التّيّار الكهربائيّ بشكل متواصل، وجمع البيانات على امتداد فترة من الزمن. تُسمّى هذه الطّريقة بـِ Coulomb Counting و-Ah، فالشّحنة تُقاس عادةً بالكولوم (Coulomb) أو بالأمبير- ساعة (Ampere⬩hour).
لا بدّ من أن تقع أخطاء في الحساب بسبب ضياع جزء من الشّحنات الكهربائيّة خلال عمل البطارية. تضيع الشّحنات نتيجة التّفريغ الذّاتيّ بشكل خاصّ، الذي ينجم عن تفاعلات كيميائيّة تحدث داخل البطاريّة، حتّى وإن لم تكن متّصلة بشيء خارجيّ. من المفروض أن يُؤخذ فقدان الشّحنة بالحسبان عند حساب الـ SOC بهذه الطريقة؛ يجب إعادة معايرة الـ SOC بشكل دائم كي يكون القياس موثوقًا.
طريقة الجُهد الكهربائيّ
يصف فرق الجهد الكهربائيّ القدرة على تحريك الشّحنات الكهربائيّة من مكان إلى آخر. يُقاس بهذه الطريقة جهد البطارية، ثمّ يُحوّل إلى SOC وفقًا لدوال معدّةٍ مسبقًا. تظهر العلاقة بين الجهد الكهربائي وبين مؤشر SOC في قانون أوم، الذي يعبّر عن العلاقة بين التّيّار الكهربائيّ والجهد عن طريق مقدار يربط فيما بينهما - المقاومة. يساوي الجهد الكهربائيّ، وفقًا للقانون، حاصل ضرب التّيّار بالمقاومة.
يكمن العيب الرئيسيّ في هذه الطريقة في وجوب قراءة الجهد بينما الجهاز متوقّف عن العمل، وذلك بخلاف الطّريقة السّابقة الّتي تتيح القياس خلال عمل الجهاز. يجب أن يكون الجهاز موقوفًا عن العمل، أي عندما تكون الدارة الكهربائية مفتوحة، لمدّة أربع ساعات وما يزيد من أجل قراءة الجهد، ذلك لأنّ نتيجة القياس تتأثّر بحركة الشّحنات الكهربائيّة داخل البطّاريّة، وبدرجة حرارة البطّاريّة التي ترتفع ما دام الجهاز يعمل. أضف إلى ذلك، أنّ القياس يستغرق وقتًا طويلًا. هذه الطريقة، لهذه الأسباب، أقلّ استخدامًا من النّاحية العمليّة.
يُعبّر فرق الجهد الكهربائيّ عن القدرة على تحريك الشّحنات من مكان إلى آخر. قياس فرق جهد بطّاريّة سيّارة | Shutterstock, Peter Gudella
طريقة مُرشَّح (فلتر) كالمان
مُرشَّح كالمان، والمعروف أيضًا بفلتر كالمان (Kalman Filter)، هو عبارة عن خوارزميّة مصمّمة لسدّ الفجوة بين التوقّعات والمشاهدات. يمكن، ظاهريًّا، تنبّؤ وضعيّة الجهاز المستقبليّة، البطّاريّة في هذه الحالة، بالاعتماد على قوانين عمله المعروفة مسبقًا، كجزء من نموذج كان قد خضع للدراسة والبحث، أو كجزء من طريقة تصميم هذا الجهاز. إلّا أنّه غالبًا ما يغاير الواقع التّنبؤات ولو بالقليل - وذلك لأسباب كثيرة، منها الدّاخليّة ومنها الخارجيّة، نشير لها لِغرضنا الآنيّ بالعنوان العامّ "الضّوضاء". اقترح مهندس الكهرباء اليهوديّ - الأمريكيّ رودولف كالمان حتلنة التنبؤات بشكل دائم، وفقًا للقراءة التي ترد من الجهاز، وذلك للتّغلّب على الضّوضاء والحصول على صورة حقيقيّة لِما يحدث في الجهاز. ينبغي إجراء تكامل لِلبيانات لأنّ كل مجسّ من مجسات الجهاز يُعطي، عادةً، صورة جزئيّة، وله ضوضاؤه الخاصّة. تُستخدم هذه الخوارزميّة لقياس الـ SOC، تمامًا كما كانت قد استخدمت في إطلاق مركبة أبولو 11 الفضائيّة وأتاحت إطلاقها، ذلك علمًا أنّ الخوارزمية بحدّ ذاتها معقّدة، ويتطلّب شرحها مقالة خاصّة. يَعرف المنتِج مسبقًا كيف يتصرّف تيّار البطّاريّة مع الزّمن، وتزيد القياسات التي تُجرى في وقت حقيقيّ من الدّقّة. العيب البارز لهذه الطريقة هو الحاجة لبناء نموذج مناسب لكلّ بطّاريّة. خاب ضوء هذه الطريقة بسبب تعقيد الخوارزميّة البالغ، والحاجة لقوّة حسابيّة كبيرة. قد يتوقّع البعض أن تكتسب الطريقة زخمًا في السّنوات الأخيرة بالذّات، جنبًا إلى جنب مع تطوّر مجالات الذكاء الاصطناعيّ وكيمياء الخلايا الكهربائيّة، إلّا أنّه اتّضح أنّ مشتقّاتها المحتلَّة لا تناسب البطّاريّات.
اقترح مهندس الكهرباء رودولف كالمان حتلنة التوقّعات بشكل دائم وفقًا للقراءات الواردة من الجهاز. رسم توضيحيّ لعمل مرشح كالمان | ويكيميديا, Suki907
لا نبدأ من الصّفر
بقيت إذًا طريقة عدّ الشّحنات كلاعب رئيس في "ملعب" قياس الـ SOC. ما زالت هذه هي الطّريقة مقبولة، على الرّغم من اقتراح طرق أخرى على مرّ السنين - مثل القياسات الكيميائيّة أو قياس الضغط.
من المستحسن أخذ الشّحنة البدائيّة للبطّاريّة في الحسبان. يتوجّب علينا فعليًّا، في كلّ مسألة يتغيّر فيها عاملٌ معيّن مع الزّمن، معرفة المعطيات والظّروف البدائيّة، كي نجد الحلّ الكامل بدقّة متناهية، وإلّا لَشابَهَ نقاشنا حساب شكل مسلك سباق الجري دون تحديد مكان السباق، هل هو ملعب (مسلك دائريّ)، أو متنزه (مسار بخطّ مستقيم). الحديث الجاري هنا، على أيّة حال، هو عن الـ SOC البدائيّ للبطّاريّة. كيف يتمّ تحديده؟
يمكن أن تتواجد البطارية في واحد من ثلاث وضعيّات لا غير: وضعيّة الشّحن، وضعيّة التّفريغ والدائرة المفتوحة (لا تعمل كهربائيًّا). يقارن جهد الدائرة المفتوحة للبطارية بعد أن تكون قد استقرّت بما فيه الكفاية، والمنحنيات البيانيّة الّتي يزوّدها المنتِج - والّتي تعطي العلاقة بين الجهد والـ SOC. بكلمات أخرى، هذه حالة خاصّة لطريقة قياس فرق الجهد الكهربائيّ.
لا تَعتبر بطّاريّة جهازك، عندما تريد فحص وضعها، أمرًا مفهومًا ضمنًا - فهي تحمل في طيّاتها شحنة عالية.