الغيمةُ هي كتلةٌ مِن قطراتِ الماء أَو بلّوراتٍ صغيرةٍ مِنَ الجليد، تعوم في الفضاء الخارجيّ للكرة الأَرضيّة. ويمكِنُ أن تتكوَّنَ بطرائِقَ كثيرةٍ، تتعلَّقُ بِعوامِلَ بيئيّة كدرجة الحرارة، وجَرَيان الهواء، وكمّيّة الماء في الهواء، وشدّة أَشعّة الشّمس في المنطقة وغيرها. ومع ذلك، فهنالك عدّة مراحِلَ مهمّة في العمليّة يُمكن شرحُها ببساطةٍ.
المرحلة الأُولى في تكوينِ الغيمة، هِيَ ارتفاع كمّيّة بخار الماء في الهواء (الرُّطوبة): تؤثّر أَشعّة الشّمس عادةً، على تسخين التُّربة أَوِ البحر وتبخِّرُ الماء. تُسخِّن أشعّة الشّمسِ الهواءَ أَيضًا، فيصبِحُ أَقلَّ كثافةً، ويبدَأُ بالارتفاع إلى الأَعلى مع بخار الماء، إلى ارتفاعٍ يكونُ فيه الهواء أَبرد. كلّما ارتفعنا أَكثرَ، يقلُّ ضغطُ الهواء ويتمدَّد، وخلال تمدُّدِهِ يبرُدُ الهواء وبخار الماء. وإذا بَرَدَ الاثنانِ بشكلٍ كافٍ، فَيمكِنُ أن يتكاثَفَ بخارُ الماء إلى قطراتٍ أَو بلّوراتٍ جليديّة صغيرةٍ، فتتكوَّنُ الغيمة.
جريانُ هواءٍ ساخِنٍ يُكوِّن غُيومًا | أُخِذَ الرَّسمُ من ويكيبيديا، وأَنتَجَهُ Dake
هنالك طرائِقُ كثيرة يُمكن بواسطتها صُعودُ الهواء السّاخن إلى الأَعلى. عندما يسخُنُ الهواء، تقلُّ كثافته، فيبدأُ بالارتفاع بشكلٍ عموديٍّ فوقَ الهواء الباردِ والكثيف، كما يحدُثُ عند ارتفاعِ فقّاعة هواءٍ موجودة في الماء، وذلك لأَنَّ الماء كثيفٌ أَكثر. يُسمَّى هذا الجَرَيانُ حراريًّا، ويحدُثُ في الجزء السُّفليّ مِنَ الغلاف الجوّيّ أَساسًا، أَي قريبًا مِن سطح الأَرض. الطُّيُورُ معتادَةٌ على ركوب هذه التّيّاراتِ الهوائيّة من أَجلِ الصُّعودِ إلى الأَعلى بسهولةٍ، والوصول إلى مسافاتٍ بعيدة، ويقومُ أَشخاصٌ بذلك في أيّامنا هذه مع طائراتٍ شراعيّة.
تختلِفُ العمليّة قليلًا في المناطق الجبليّة – يتحرَّكُ الهواءُ السّاخن حتّى يَصِلَ منحدراتِ الجبال، فيبرد وهو "يتسلَّقُ" جانب الجبل، ويكون على صِلَةٍ بالتُّربة الباردة. لذلك تميلُ الغُيُومُ إلى التَّكوُّنِ قُربَ الجبال، وتكُونُ الرّواسب أَكثرَ في هذه المناطق.
تكوينُ غُيُومٍ في قمّة جبل | أُخِذَتِ الصُّورة من ويكيبيديا
كيف "يصنعُونَ" المَطَر؟
يبدو هذا الأمرُ بسيطًا للغاية، لكن لا تتكوَّنُ غيمةٌ في كلّ مرّةٍ يتواجد فيها هواءٌ مع بخار ماءٍ باردٍ. يجبُ أَن يتكاثفُ بخار الماء ويُكوِّن قطراتٍ وبلّورات جليديّة صغيرة. يحدُثُ هذا التّكاثف بسهولة أَكثرَ عندما تكونُ قد تواجدت في الهواء ذرات تكاثُفٍ، أَي جسيماتُ غبارٍ، وسُخام، وحُبَيْبات لقاح نباتيّة، وما شابَهَ، وحولها يمكِنُ أَن يتكاثَفَ الماء. ظاهرة مُشابهةٌ لذلك، نراها عندما يتكاثف بخار ماءٍ مِنَ الهواء على جدرانِ كَأسٍ فيها مشروبٌ بارد.
في الغيمة، تصطدِمُ قطرات الماء والبلّورات الجليديّة وتتَّحِدُ إلى قَطراتٍ أَكبر. قوّة الجاذبيّة المؤثِّرة على كلّ قطرة تزدادُ كلّما كانت أَكبر، وإذا كانت كبيرة بشكلٍ كافٍ، فَتسقُطُ على شكلِ مَطرٍ. أَثناءَ سُقوطها، يمكِنُ أن تتجمَّدَ قطرات المطر أَثناء مرورها بطبقةِ هواءٍ باردة، فينزلُ حينئذٍ البَرَد. إذا كانتِ الغيمةُ باردةً جدًّا، فَتَتَجَمَّدُ القطراتُ فيه إلى بلّورات جليديّة ويسقُطُ الثّلج.
إِحدى الطّرائق الّتي يزيد فيها بنو البشر كمّيّة الرّواسب بشكلٍ اصطناعيّ، هي بواسطة "زراعة الغُيُوم"- وهو نَشرُ جُسَيماتٍ صغيرةٍ تُستَعملُ كذرات تكاثُفٍ في مناطِقَ رطبة بما فيه الكِفاية. هكذا يزدَادُ احتمالُ تكاثف الماء، وتكوين غيومٍ، وكذلك يزدادُ احتمال اتّحاد قطراتِ الماء إلى قطراتٍ أَكبر، فيحصُلونَ على رواسِبَ.
إِسرائيلُ هي إحدى الدُّوَلِ الرّائدة في العالم في هذا المجال، وفي أَبحاث أُجرِيَت في البلاد، نُشِرَت جُسَيمات يوديد الفضّة (AgI) من طائرةٍ، على امتدادِ خطّ الشّاطئ وحقَّقَت نجاحًا جزئيًّا في زيادة اصطناعيّة للمطر. إِحدى المشكلاتِ الّتي واجهَتِ الباحثين في زرع الغُيُومِ أَنَّهُ لا توجد لدينا معلوماتٌ كافية اليوم عن كمّيّة ذرات التّكاثف الطّبيعيّة ومصادرها، ولذلك، وفي أَكثرَ من مرّةٍ، فإنّ إضافة يوديد الفضّة قد تُشوِّشُ التَّكوُّنَ الطّبيعيّ للغيوم، وليس بالضّرورة زيادة كمّيّة الغيوم والرّواسب.
بالرّغم من أَننا لا نعرف كلَّ شيءٍ عن زراعة الغيوم، وسيطرتنا على إنتاج الرّواسب محدودة، فإنّه في الكثير من مناطِقِ العالم، يَستَعمِلُونَ زِراعَةَ الغيوم لأَهداف متنوّعة: مُضاعفة الرّواسب في فترات المحْلِ، ومنع عواصِفِ البَرَد لحمايةِ المناطق الزّراعيّة، وحتّى زراعة الغيوم خارج المدُنِ الكبرى في الأَعياد، وفي أَحداثٍ خاصّة (كالمسيرات، والأَلعاب الأٌولمبيّة، وغيرها)، من أجلِ زيادة احتمالِ بقاء السَّماءِ زرقاءَ ونظيفةً أَثناءَ الأَحداث. إنتاج الغُيُومِ في هذه الحالات، بعيدًا عَنِ المدينة وفي المناطق الزّراعيّة، يمنَعُ تكوُّنَ الغُيُومِ بشكلٍ طبيعيّ.
ردّ– والعودة إليك
عندما ننظرُ إلى قطرة ماءٍ واحدة تبدو لنا شفّافة، فهل بإمكانِكَ أن تُخمِّنَ لماذا عندما ننظر إلى الغيمةِ، المكوَّنة مِنَ الكثير من قطراتِ الماء، تبدو بيضاءَ؟