كيف تحدث السّكتة الدّماغيّة، ما هي أنواعها، ما هي المؤشّرات المثيرة للقلق وما الّذي يمكن فعله إزاءها؟
تحدث السّكتة الدّماغيّة، المعروفة أيضًا بالحادث الدّماغيّ، وهي حالة طبّيّة بالغة الخطورة، نتيجة تضرّر في تزويد الدّماغ بالأكسجين. تؤدّي هذه الحالة إلى موت خلايا عصبيّة وخلايا دماغيّة أخرى ، وتَعطُّل النّشاطات الّتي تشارك بها هذه الخلايا - مثل القدرة على النّطق أو تفعيل العضلات. تُشكّل هذه الحالة الشّائعة خطرًا على الحياة - فقد أشارت منشورات منظّمة الصّحّة العالميّة إلى أنّ السّكتة الدّماغيّة هي مُسبّب الموت الثّاني من حيث نسبة شيوعه سنة 2019، بعد الحوادث القلبيّة. بلغ عدد الحوادث الدّماغيّة الّتي تمّ التّعرّف إليها في البلاد سنة 2020، 18373 سكتات دماغيّة.
يتصدّر عامل الجيل العوامل الّتي تزيد من خطر الإصابة بالسّكتة الدّماغيّة - تزداد نسبة شيوع السّكتات الدّماغيّة ازديادًا ملحوظًا من جيل خمسة وخمسين عامًا فما فوق. أمّا العوامل الأخرى فهي ضغط الدّم العالي، والتّدخين الّذي يزيد من احتمال انسداد الأوعية الدّمويّة، الشّرب المفرِط للكحول الّذي يؤدّي إلى ارتفاع ضغط الدّم، وإلى أضرار أخرى منها أمراض قلبيّة وأمراض في الأوعية الدّمويّة. تُنسب السّكتة الدّماغيّة إلى عوامل اقتصاديّة واجتماعيّة أيضًا: اِحتمال حدوث السّكتة الدّماغيّة لدى الأشخاص من المستوى الاقتصاديّ - الاجتماعيّ المتدنّي أعلى من الآخرين، وآمال تعافيهم منها أقلّ. قد ينجم ذلك عن الوضع الاقتصاديّ المتدنّي الّذي يجعل من الحصول على الخدمات الطّبّيّة عالية الجودة أمرًا بالغ الصّعوبة، أضف إلى ذلك سهولة محافظة ذوي المكانة الاقتصاديّة - الاجتماعيّة العالية على نمط حياة صحّيّ سليم، مقابل صعوبتها النّسبية لدى الأشخاص ذوي المستويات الاقتصاديّة - الاجتماعيّة المتدنّية.
أنواع السّكتة الدّماغيّة
هناك نوعان رئيسان من السّكتة الدّماغيّة: السّكتة الدّماغيّة الإقفاريّة، والسّكتة الدّماغيّة النّزفيّة. يشكّل النّوع الأوّل - الإقفاريّ - الّذي يحدث نتيجة توقّف تزويد الدّم الحاوي على الأكسجين لِأجزاء من الدّماغ، على أثر انسداد أحد الشّرايين فيه - تسعين بالمئة من إجماليّ السّكتات الدّماغيّة. يمكن أن ينجم مثل هذا الانسداد عن جلطة (تخثّر) دمويّة، أو تكدّس التّرسّبات الدّهنيّة في الشّريان. تُسمّى السّكتة الدّماغيّة النّاجمة عن التّخثّر الّذي يتكوّن في وعاء دمويّ دماغيّ بالسّكتة التّخثّريّة، وتُسمّى السّكتة الدّماغيّة النّاجمة عن التّخثّر الّذي يتكوّن في مكان آخر في الجسم، غير الدّماغ، ثمّ ينفصل ويتوقّف في نهاية المطاف في شريان ضيّق في الدّماغ، بالسّكتة الصّمّيّة.
تُسمّى السّكتة الدّماغيّة الّتي تمنع تزويد الدّم للدّماغ بشكل مؤقّت بالسّكتة الدّماغيّة الإقفاريّة العابرة. يتوجّب أخذ مثل هذه الحالة على محمل الجدّ والاهتمام على الرّغم من أنّها لا تتسبّب، أحيانًا، بضرر بالغ لِلنّسيج الدّماغيّ. يشير حصول هذه السّكتة إلى حالة بالغة الخطورة، إذ يتعرّض ثلث المصابين بالسّكتة العابرة للإصابة بسكتة إقفاريّة عاديّة.
يُصاب عشرة بالمئة من مرضى السّكتات القلبية باِلسّكتة النّزفيّة. يتدفّق الكثير من الدّم، عند انفجار أحد الأوعية الدّمويّة الدّماغيّة، إلى النّسيج الدّماغيّ. تُعطّل هذه الحالة، هي الأخرى، تزويد الدّم بشكل سليم إلى جزء من خلايا الدّماغ، فتموت.
تحدث السّكتة الدّماغيّة النّزفيّة في عشرة بالمئة من الحالات | الرّسم التخطيطيّ: GraphicsRF.com, Shutterstock
العلامات الّتي تدقّ ناقوس الخطر
يجب نقل الشّخص الّذي يُعتقد بإصابته بالسّكتة الدّماغيّة إلى المستشفى فورًا وبدون تأخير، كي يتسنّى تشخيص الحالة بسرعة، وتقديم العلاج الضّروريّ الّذي من شأنه أن يُنقذ حياته. تكمن أهمّيّة العلاج الفوريّ، أيضًا، في وقف استمرار تضرّر خلايا الدّماغ، وتقليل الإعاقة الّتي قد تحدث لدى الشّخص المصاب، الّتي من شأنها أن تمنعه من القيام بنشاطاته المختلفة.
تختلف مؤشّرات حصول السّكتة الدّماغيّة من شخص لآخر، لأنّها قد تصيب أجزاءً مختلفة جدًّا من الدّماغ، ذات وظائف مختلفة. المؤشّرات الأكثر ارتباطًا بالسّكتة الدّماغيّة هي ضعف أو شلل جزئيّ في عضلات جانب من الوجه، قد تنجم عنه ابتسامة مُعوجّة أو الفقدان الكامل لِلقدرة على الابتسام، ضعف في اليدين قد يصل إلى درجة فقدان القدرة على رفع إحدى اليدين أو كلتيهما، وكذلك صعوبات في النّطق والفهم.
يُقسم الدّماغ الى نصفين، ويتحكّم كلّ نصف منهما بالوظائف والمهامّ، مثل الحركة، الّتي يقوم بها جانب واحد من الجسم، ينجم عن ذلك ضعف غير متماثل لعضلات الوجه أو الجسم، بتأثير السّكتة الدّماغيّة. تحصل الإصابة عادة في جانب واحد من الدّماغ، يتبعها تضرّر في التّحكّم بالعضلات في جانب واحد من الجسم. التّشويش المفاجئ في الرّؤية، الارتباك، أو فقدان الذّاكرة هي من الأعراض البارزة الّتي قد تحصل عند حدوث السّكتة الدّماغيّة.
أعراض السّكتة الدّماغيّة : ضعف جانب من الوجه، ضعف في اليدين، صعوبة في النطق، الارتباك وغيرها |artbesouro, Shutterstock
تشخيص السّكتة الدّماغيّة
تُجرى داخل المستشفى مجموعة من الفحوصات لتشخيص حالة المعالَج الّذي يُعتقد أنّه تعرّض لسكتة دماغيّة. من المتّبع إجراء اختبار ابتلاع الماء، بالإضافة لجمع العديد من المقاييس العامّة مثل ضغط الدّم، وفحوصات مستويات الكولسترول والسّكّر في الدّم. يعاني ما يتراوح بين 30 و 78 بالمئة من المصابين بالسّكتة الدّماغيّة من تضرّر القدرة على الابتلاع.
يُجرى مسح تصويريّ فوريّ لدماغ الشّخص في حال كان هناك شكّ حقيقيّ بإصابته بالسّكتة الدّماغيّة، وذلك لِتشخيص الانسدادات المحتملة في الأوعية الدّمويّة أو النّزيف، وتحديد مواقع الإصابة ومداها. يُجرى المسح التّصويريّ باستخدام وسيلتين رئيستين. يعتمد التّصوير المقطعيّ المحوسب (CT)، السّريع نسبيًّا، على مقاطع عديدة من الصّور المأخوذة بالأشعّة السّينيّة، وهو يتيح تشخيص النّزيف الدّماغيّ بسرعة تكفي لِتقديم العلاج المناسب بشكل فوريّ. يُعدّ التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ (MRI) فحصًا بطيئًا نسبيًّا لكنّه أكثر دقّة، ويتمّ استخدامه عندما تكون الأعراض معقّدة، ومكان حدوث السّكتة الدّماغيّة الدّقيق ليس واضحًا، وكذلك بعد حصول السّكتة الدّماغيّة الإقفاريّة العابرة.
قد يحقِن الأطبّاء، في نوعَي التّصوير، الشّخص المعالَج بمادّة تسهم في تحسين جودة الصّورة وتتيح توثيقًا أساسيًّا للأوعية الدّمويّة الدّماغيّة.
هناك فحوصات أخرى من شأنها أن تساعد الأطبّاء في البحث عن مصدر السّكتة. يتيح فحص الأمواج فوق الصّوتيّة، مثلًا، الكشف عمّا إذا كان هناك تضييق أو انسداد في الأوعية الدّمويّة النّاقلة للدّم إلى الدّماغ عبر الرّقبة.
صورة دماغ شخص أصيب بانسداد شريان في الدّماغ (في الصورة اليسرى)، وصورة دماغ الشخص نفسه بعد علاجه (الصورة اليمنى) بالعقاقير التي تذيب التّخثّرات الدّمويّة. فحص تصويريّ لدماغ مصاب بـِ السّكتة الإقفاريّة قبل وبعد العلاج | المصدر: ZEPHYR, Science Photo Library
العلاج والوقاية
توجد علاجات فوريّة من شأنها التّسهيل على حالة الشّخص المعالَج والتّعامل مع السّكتة قبل أن تتفاقم. يستوجب كلّ نوع من أنواع السّكتات الدّماغيّة علاجًا آخر، الأمر الّذي يُلزم تشخيص نوع السّكتة تشخيصًا دقيقًا.
من المعتاد علاج حالات السّكتة الدّماغيّة الإقفاريّة بالعقاقير الّتي تُذيب التّخثّرات الدّمويّة كعلاج أوّليّ، ذلك من أجل فتح الانسداد في الوعاء الدّمويّ في الدّماغ ومنع تكوّن تخثّرات جديدة. قد يؤدّي علاج السّكتة الدّماغيّة النّزفيّة بالعقاقير المضادّة للتّخثّر، المعروفة بمُسيّلات الدّم، إلى زيادة خطر النّزيف وتفاقم الحالة.
تُجرى قسطرة الوعاء الدّمويّ المسدود، وهو علاج أكثر توغّلًا في جسم المصاب، لتفتيت الانسداد أو لانتشاله. تزيد قسطرة الدّماغ الّتي تُجرى خلال ساعتين من اللّحظة الأولى لحدوث السّكتة كثيرًا من فرص التّعافي وسرعتها.
تُستخدم عقاقير خفض ضغط الدّم لوقف السّكتة الدّماغيّة النّزفيّة، وذلك لإضعاف النّزيف الدّمويّ وإتاحة المجال لشفاء التّمزّق في الوعاء الدّمويّ المصاب. قد تدعو الحاجة أحيانًا لإجراء عمليّة جراحيّة لوقف النّزيف الموضعيّ. قد يُزال الوعاء الدّمويّ المُشكّل في الدّماغ في مثل هذه العمليّة الجراحيّة، أو يوقف النّزيف بواسطة شبكة رقيقة، أو "لدغة" الجزء النّازف من الوعاء الدّمويّ.
يجب اتّخاذ وسائل الحذر بعد زوال السّكتة الدّماغيّة، والمحافظة على العلاج الصّحيح لمنع عودتها، إذ يتكرّر حدوث السّكتة الدّماغية خلال سنة واحدة لدى ربع الأشخاص المصابين. يتناول المتعافون من السّكتة الدّماغيّة الإقفاريّة، عادة ومن ضمن علاجات أخرى، العقاقير الّتي تمنع تكون الخثرات الدّمويّة وتراكم الصّفائح الدّمويّة، إذ تُستخدم الصّفائح الدّمويّة لتكوين خثرات دمويّة لوقف حالات النّزيف. تزيد هذه العقاقير، من الجانب الآخر، من خطر الإصابة بالسّكتة النّزفيّة.
على الشّخص المُتعافي من السّكتة الدّماغيّة ملاءمة نمط حياته وفقًا لعوامل الخطر المناسبة لحالته، وذلك لتقليل خطر تكرّر السّكتة. من المستحسن، مثلًا، تناول الطّعام قليل الكولسترول وتعاطي العقاقير الّتي تعمل على خفض مستوى الكوليسترول في حالة كان مستواه العالي في الدّم هو المسبّب لِحدوث السّكتة الدّماغيّة.
تزيد عمليّة إزالة الانسداد من الوعاء الدّمويّ خلال ساعتين من لحظة الإصابة بـ السّكتة الإقفاريّة من احتمال التّعافي منها. قسطرة شريان في الدّماغ | الرّسم التخطيطيّ: Christoph Burgstedt, Science Photo Library
إعادة التأهيل
ليست فرص تعافي الدّماغ من الضّرر الّذي يلحق به على أثر السّكتة بالعالية، وكثيرًا ما تبقى صعوبة النّطق والمشي والتّحكّم بالعضلات وصفاء الذّهن قائمة على المدى البعيد لدى الشّخص المصاب، ويترتّب على ذلك الأخذ بوسائل إعادة تأهيله وتحسين جودة حياته. يشمل التّعامل مع هذه الإعاقات وسائل شتّى مثل علاج صعوبة النّطق، والعلاج الطّبيعيّ والوظيفيّ. يجري، من خلال الدّراسات في هذا المجال، اختبار أنجع الوسائل لتوفير أكبر قدر من إعادة تأهيل الشّخص المصاب بطرق شتّى مثل التّحفيز الكهربائيّ، وتمارين السّير والتاي تشي وغيرها. يقوم المعالجون بتسخير المعرفة الّتي تمّ جمعها مع مرور الوقت لتقديم علاجات أكثر نجاعةً تتيح المثابرة، وعلى مدى فترة طويلة من الزّمن.
العلاج بالخلايا الجذعيّة هو مجال حديث وواعد لِتحسين حالة المصابين بالسّكتة الدّماغيّة. هذه خلايا لم تستقرّ بعد على وظيفتها النّهائيّة، ويمكن أن تتحوّل إلى خلايا من أنواع مختلفة، الأمر الّذي يجعل من إعادة بناء الأجزاء المصابة من النّسيج الدّماغيّ أمرًا ممكنًا من النّاحية العمليّة. تتركّز الدّراسات الجارية اليوم والّتي تتناول هذا النّوع من العلاج، على الفئران بشكل خاصّ، ويبدو أنّه من المحتمل استخدام الخلايا الجذعيّة في علاج السّكتة الدّماغيّة لدى بني البشر في المستقبل.
في الخلاصة، تشكّل السّكتة الدّماغيّة خطرًا على الحياة، وما زال هناك الكثير لنتعلّمه عن طرق التّعامل معها ومع آثارها. يمكن أن تقلّل المحافظة على نمط حياة سليم يتضمّن الفعاليّة الجسمانيّة الرّاتبة، والتّغذية المتوسّطيّة المتوازنة، من خطر الإصابة بالسّكتة الدّماغيّة. معرفة المؤشّرات الخاصّة بالحدث الدّماغيّ هو أمر بالغ الأهمّيّة، وهي تتيح تقديم الدّعم الطّبّيّ الفوريّ لِلمصاب ومنع الضّرر الّذي لا داعي له.