ما هي المواد التي تجعل رائحة البحر مُنعِشة ورائعة؟ قد يفاجئكم أن هذه الرائحة تنجم عن نواتج عمليات التعفن ومواد مصدرها الجهاز الهضمي لدى الأسماك

يرى الكثيرون في قضاء الوقت على شاطئ بحر ساحر عطلةً مثالية. والمُكوّنات التي تجعل العطلة مميزةً فعلاً هي حبيبات الرمل بين أصابع القدمين، الشمس المداعِبة أشعتها، صخب الأمواج، وهواء البحر. لكن ما هو هواء البحر، وما الذي يمنحه أريجه المميز؟ وهل يجدر بنا حقا أن نعرف ما الذي ندخله إلى رئتينا عندما نستنشق نفَساً عميقاً على شاطئ البحر؟

إذا طلبنا من بعض الأشخاص أن يصفوا رائحة البحر، نجد أن أغلب إجاباتهم تشمل بشكل أو بآخرالعبارات: منعشة، ندِيّة، مالحة، أو بنكهة السمك. قد تُربَط الرائحة بالبيئة الأقرب، مثل رائحة كريم الوقاية من أشعة الشمس أو رائحة الكلب المبلل بعد غطسه في الماء. وقد يسترسل البعض في التشبيهات ويذكرون رائحة الحرية والصبا والطاقة والصحة. أما هواة الكتابة فيتذكرون حتمًا شاعرًا أو أديبًا يحبونهما يستنشقان الرومانسية والغرام في رائحة البحر.

إن احتمال الحصول على إجابة تصف رائحة البحر علميّا ضئيل جدّا، وثمة  سبب هامّ لذلك. فرائحة البحر عبارةٌ عن خليط متنوع من الكثير من المواد الكيميائية التي مصدرها التعفن والموت والتحليل الجرثومي، مع قليل من الملوحة والطحالب والكائنات البحرية. لا تروق هذه الحقائق السامع، إذ إنها لا تترك أثرا رومانسيا منعشا كما تفعل معظم الأشعار التي نُظمت حول البحر، لكن هذه هي الحقيقة. ولنفهم أكثر مصدر الرائحة وما يكوّنها، سنقوم بالكشف عن بعض الجزيئات الأكثر شيوعًا التي تهب مع نسائم البحر.

המולקולה הריחנית שנמצאת (כמעט) בכל מקום, ממזון מעובד ועד עננים: דימתיל סולפיד | איור: Shutterstock
الجزيء ذو الرائحة الموجود (تقريبًا) في كل مكان، من الغذاء المُصَنّع حتى الغيوم: كبريتيد ثنائي الميثيل | الرسم التوضيحي: Shutterstock
 

فضل العوالق البحرية

يبدو أن الجزيء الذي يُكسِب البحر جُلَّ عبيره هو الكبريتيد ثنائي الميثيل (DMS)، وهوجزيء منتشر جدّا وأُجري عليه الكثير من الدراسات. وهو مكون من ذرة كبريت مربوطة بمجموعتين كربونيتين. إنه جزيء صغير، ولكن رائحته كريهة يُشَبِّهها البعض برائحة القرنبيط (الزهرة) أو الهليون (الأسبراجوس) المطبوخ. على الرغم من ذلك، لا تثير رائحة هذه المادة الاشمئزاز بالضرورة؛ فيمكن أن نجدها بنسَب متفاوتة في النبيذ أو الجِعة، وكذلك في خضار وفواكه مختلفة بما فيها البندورة والمانجو، كما أنها تساهم في رائحة الأجبان الصلبة المُعتّقة وفطر الكمأة. ويستخدم اختصاصيو تكنولوجيا الغذاء هذه المادة لإضفاء نكهة اللحوم، الأسماك، البيض، الزبدة، الفواكه، والخضار على المنتجات الغذائية المُصَنّعة.  

قد يكون جزيء الكبريتيد ثنائي الميثيل سامًّا إذا كان تركيزه عاليًا، إلّا أنه يتواجد بتركيز منخفض في كل مكان تقريبًا، لأن مصدره هو نواتج تحليل جرثومي للحيوانات أو النباتات. يعني ذلك أنه يمكننا في كل مكان توجد فيه مادة عضوية تقريبًا أن نجد بكتيريا تتغذى عليها و DMS تطلقه البكتيريا كجزء من هذه العملية. يحدث ذلك داخل أفواهنا، وكذلك في أعماق المحيطات، حيث المصدر الرئيسي للـ DMS هو تحلُّل العوالق النباتية. تستخدم هذه المخلوقات البحرية الصغيرة المادة المسماة "ثنائي ميثيل بروبيونات السلفونيوم" أو DMSP في عمليات بيولوجية مختلفة خلال حياتها، وتقوم البكتيريا بتحليلها عند موت العوالق إلى DMS ينبعث بكميات هائلة إلى الغلاف الجوي. 

لا يقتصر تأثير جزيئات الـ DMS على إضفاء الرائحة المميزة للبحر، إذ تُشكّلُ جزءًا من النسيج البيئي العالمي. فالطيور البحرية وكائنات أخرى تعيش في المحيط تستخدم هذه الرائحة لتجد غذاءها الموجود في الأماكن التي تحتوي على كميات كبيرة من العوالق؛ كما أن لها دورًا في تكوّن الغيوم، وهي تساهم في تبريد الكرة الأرضية. 

تُعتبَر مادة الـ DMS أحد المُكوّنات الرئيسية لرائحة البحر، لكنها ليست الوحيدة طبعًا. فهناك الكثير من المواد التي تساهم في رائحة البحر المركبة، وقسم كبير منها، مثل الـ DMS، يحتوي على الكبريت ورائحته تثير الاشمئزاز. ينطلق كثير من هذه المواد عندما يتغذى كائن ما على كائن آخر. على سبيل المثال، ينطلق كبريتيد الهيدروجين، المُكوّن من ذرة كبريت مربوطة بذرتَين من الهيدروجين، في عملية تحليل الطحالب الميتة بواسطة البكتيريا. لهذه المادة رائحة خاصة تُذكّر الكثيرين برائحة البيض الفاسد، وهي أيضًا تساهم في رائحة البحر: يمكننا التمييز بين رائحة البحر في المكان الذي يكون فيه تركيز الطحالب منخفضًا وبين رائحته في المكان الذي يكون فيه تركيزها عاليًا. 

تتأثر رائحة البحر بمواد عطرية أخرى، مثل البرومو - فينولات، التي هي عائلة من المواد المتطايرة ذات رائحة السمك الشديدة. تنجم الرائحة البحرية وكذلك الطعم البحري الخاص بالأسماك والكثير من ثمار البحر،  كالأصداف، الجمبري، والسرطان عن هذه المواد إلى حد كبير. ويبدو أنّ الأسماك وثمار البحر لا تُنتج هذه المواد بنفسها، بل تتراكم في أجسامها نتيجة للغذاء الغني بالمخلوقات الكائنة في أعماق البحار، مثل الديدان البحرية والطحالب. 

يؤدي النقص في البرومو - فينولات إلى تغير طعم الأسماك. لهذا السبب، فإن أحد التحديات التي تواجه بِرك تربية الأسماك هو تغذيتها بغذاء يحتوي على جميع المكوّنات الضرورية لنموها السليم، وكذلك على مواد مثل البرومو - فينولاتّ تُكسبها طعما شبيها بطعم أسماك المحيطات. 

بالإضافة إلى هذه الجزيئات صاحبة التأثير الأكبر في الخليط الذي يُكوّن عِطر البحر، ثمة جزيئات كثيرة جدا تساهم هي الأخرى في إضفاء شذاها الخاص. بين هذه المواد نجد النواتج الإضافية عن عملية التحلل البكتيري و تعفّن المواد البيولوجية، مثل الفيرومونات والإشارات الكيميائية الأخرى التي تفرزها الكائنات الحية إلى محيطها، مواد مصدرها الجهاز الهضمي للكائنات البحرية، مواد مصدرها النشاطات البركانية، وغيرها. 

صحيح إذًا أننا عندما نحلّل رائحة البحر إلى الجزيئات التي تكوّنها، لا نحصل على نتيجة رومانسية كثيرا. على الرغم من ذلك، كواحد من الذين يتحسن مزاجهم كاملا  عندما يستنشقون نفَسا عميقا على شاطئ البحر، ربما يجدر بنا أن نتعرف إلى التفاعلات الكيميائية المسؤولة عن هذه الرائحة المنعشة، وكذلك أن ننساها للحظات ونتمتع.

 

 

 

الترجمة للعربيّة: أ. خالد إبراهيم مصالحة
التدقيق اللغوي: أ. موسى جبران
الإشراف والتدقيق العلمي: رقيّة صبّاح أبو دعابس

 

 

 

من ابتكار معهد دافيدسون للتربيّة العلميّة: عالقون في المنزل- الآن أصبحتم تعرفون

 

0 تعليقات