الطرف أو ما يُعرف برمش العين هو ردّ فعل طبيعيّ، ولكن لماذا لا يمكننا أن نمضي حتّى 5 دقائق بدونه؟ وماذا يمكننا أن نتعلّم عن أنفسنا من الرمش؟

يرمش الشخص العادي ما بين عشر إلى عشرين مرّة في الدقيقة، مع ذلك، نادرًا ما ندرك هذه العمليّة الروتينيّة. يمكن لبعض المواقف أن تجعلنا نرمش أكثر، على سبيل المثال، عندما يدخل شيء ما إلى أعيننا، أو عندما نبكي ونضطرّ إلى إزالة الدموع من أعيننا لنرى بوضوح مرّة أخرى.

تحمي عمليّة الرمش أعيننا، بحيث تساعد حركة الجفون في إزالة الجزيئات والأوساخ الّتي دخلت إلى العين. ومع ذلك، عندما ننظر إلى الشاشات، يقلّ عدد الرمش بمقدار الثلثين، على الرغم من عدم معرفتنا سبب ذلك بالضبط، إلّا أنّ الفرضيّة المقبولة هي أنّ الرمش يمنعنا من التركيز. على سبيل المثال، عندما نقرأ أو نشاهد فيلمًا، فإنّنا نرمش في نهاية الجملة أو المشهد، لأنّنا أثناء الرمش نفقد معلومات بصريّة قد تكون مهمّة.

كلّما نرمش، نغطّي أعيننا بسائل الدموع، والّذي يتكوّن بالأساس من الماء، طبقة دهنيّة، ومادّة مخاطيّةتمنع العين من الجفاف وتحافظ على القرنيّة. القرنيّة هي الجزء الخارجيّ من العين، وهي المسؤولة مع عدسة العين عن انكسار الضوء الداخل إلى العين، ما يساعد على تركيز رؤيتنا. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ جفاف العين يعطينا إحساسًا بالخشونة والحرقان، كما لو أنّ القرنيّة قد تعرّضت للخدش. بما أنّ عددًا قليلًا جدًّا من الأوعية الدمويّة يصل إلى القرنيّة، فتتلقّى الأوكسجين مباشرة من السائل المخاطيّ الّذي يغطّيها. يحوي السائل أيضًا إنزيمات مضادّة للبكتيريا تحمي العين من الالتهابات.


عندما ننظر إلى الشاشات، يقلّ عدد الرمش بمقدار الثلثين. فتاة تفرك عينيها أمام شاشة الكمبيوتر| fizkes, Shutterstock

الكائنات الّتي لا ترمش

باعتبار الأهميّة الكبيرة للرمش في الحفاظ على وظيفة العيون، فمن البديهيّ الاعتقاد أنّ جميع الحيوانات الّتي لها عيون ترمش أيضًا. مع ذلك، هذا ليس هو الحال في الواقع. لقد طوّرت العديد من الحيوانات حلولًا أخرى لتحقيق نفس الغاية.

فالحشرات على سبيل المثال، ليس لها جفون على الإطلاق. بدلًا من ذلك، تُعدّ أعينها جزءًا من الهيكل الخارجيّ الصلب لأجسامها، لذا، فهي تحتاج إلى حماية أقلّ. تقوم الحشرات بتنظيف عيونها بمساعدة أرجلها الأماميّة المشعّرة، والّتي تعمل مثل الفرشاة الّتي تلتقط الأوساخ وتزيلها من العين. 

على غرار الحشرات، كذلك الثعابين وبعض أنواع البرصيّات ليس لها جفون. بدلًا من ذلك، لديها طبقة شفّافة من الحراشف الّتي تحمي أعينها. يستخدم البرص لسانه لتنظيف عينيه، تمامًا كما نقوم بتمرير قطعة قماش مبلّلة على الزجاج الأماميّ للسيارة لرؤية الطريق بشكل أفضل.

هناك أيضًا حيوانات ليس لها جفون ولا تحتاج إلى أيّة مساعدة في تنظيف عيونها، مثل الأسماك، والّتي تغطّي عيونها طبقة واقية صلبة. بما أنّ الأسماك تعيش في بيئة مائيّة، فإنّ حركة الماء تعمل على ترطيب وتنظيف عيونها  طوال الوقت. يفترض الباحثون أنّ هناك علاقة تطوّريّة بين تطوّر الجفون وبداية خروج الحيوانات من البحر إلى اليابسة، لكن حتّى الآن لم يتمّ العثور على دليل كافٍ على ذلك.


لا يوجد لديه جفون، بدلا من ذلك لديه طبقة من الحراشف الشفّافة للحماية. الثعبان الأخضر | Abdullah Fakir, Shutterstock

الرمش الأقدم لسمك نطّاط الطين

نشر باحثون من الولايات المتّحدة واستراليا مؤخّرًا دراسة تبحث كيفيّة تطوّر الرمش. لتحقيق هذه الغاية، قام الباحثون بفحص خصائص وسلوك سمكة نطّاط الطين (Oxudercinae)، وهي فصيلة فرعيّة من الأسماك البرمائيّة الّتي يمكنها المشي على اليابسة، وحاولوا اكتشاف آليّة الرمش الخاصّة بها. بما أنّ الأسماك ليس لها جفون، فيجب على الأسماك البرمائيّة أن تجد طريقة فعّالة للتعامل مع الجفاف والأوساخ خارج الماء. تعيش الكائنات البرمائيّة في مناطق المدّ والجزر- الأرض القاحلة بين البحر واليابسة، وتقضي معظم حياتها بعد البلوغ  خارج الماء. نظرًا لعدم وجود جفون لديها، فبدلًا من الرمش، تقوم بسحب أعينها إلى داخل الجسم.

من أجل دراسة التكيّفات الّتي طوّرتها البرمائيّات أثناء تطوّر قدرتها الفريدة على الرمش، أجرى الباحثون فحوصات التصوير المقطعيّ المحوسب (CT) للأسماك من عائلة القوبيونية (Gobiidae): نوعَين من البرمائيّات- Periophthalmus barbarus و Periophthalmodon septemradiatus - ونوع يعيش فقط في الماء- Neogobius melanostomus. وجد الباحثون أنّ جميع الأسماك لديها نفس العضلات الستّ في منطقة العين، لكنّ ترتيبها مختلف قليلًا. يسمح هذا الترتيب للبرمائيّات بسحب عيونها إلى داخل جسمها. وأثناء السحب، ينضغط الغشاء المحيط بالعين للخارج ويغلف العين.


إنّ ترتيب العضلات في منطقة العين يسمح له بسحب عينيه إلى الداخل، داخل الجسم. فصيلة السمك البرمائيّة Periophthalmus barbarus | מקור: Tom Meaker, Shutterstock

لماذا ترمش البرمائيّات؟

هل ترمش البرمائيّات للحفاظ على رطوبة عيونها؟ من أجل معرفة ذلك؛ وضع الباحثون البرمائيّات في حوض مائيّ بمياه ضحلة جدًّا تحاكي ظروف المدّ والجزر المنخفضة. للتحكّم في كميّة الرطوبة في الهواء، قاموا بتغيير شدّة تدفّق الهواء في الحوض- كلّما كان أقوى، كانت البيئة أكثر جفافًا. قد وجد الباحثون أنّه مقارنة بظروف النموّ العاديّة، عندما يزداد تدفّق الهواء، ترمش البرمائيّات بشكل ملحوظ أكثر. بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون أنّه في الظروف الجافّة، تتدحرج البرمائيّات على ظهرها وتغلق أعينها، لكنّها بالكاد تفعل ذلك في الظروف الرطبة العاديّة. يفترض الباحثون أنّ السبب وراء ذلك هو أنّ البرمائيّات ليس لديها غدد دمعيّة، لذلك تتدحرج لتقريب أعينها من الماء حتّى لا تجفّ.

كما ذكرنا، فإنّ إحدى الوظائف الأساسيّة للرمش هي إزالة الأوساخ من العين. لاختبار ما إذا كان هذا صحيحًا أيضًا بالنسبة للبرمائيّات، قام الباحثون برشّ بيض الجمبريّ الجافّ، الّذي يشبه في حجمه حبيبات الرمل، على عيون البرمائيّات. تمكّنت البرمائيّات من التخلّص من 97% من البيض الّذي دخل أعينها. لذلك، استنتج الباحثون أنّ الرمش فعّال في إزالة الأوساخ عند البرمائيّات أيضًا.

وأخيرًا، يعُتبر الرمش مهمًّا لحماية العين من الإصابات أيضًا. عندما يقترب شيء ما من أعيننا، فإنّنا نغلقها بشكل غريزيّ لفترة أطول ممّا نرمش عادة. وبالمثل، اختبر الباحثون ردّة فعل البرمائيّات عند لمس أعينها بلطف باستخدام نكّاشة قطنيّة. كما هو متوقّع، رمشت أعينها لفترة أطول من المعتاد. لذلك، يمكن الاستنتاج من جميع الاختبارات أنّ البرمائيّات طوّرت آليّة فريدة تشبه الرمش، للتعامل مع تحدّيات الحياة خارج الماء. 


كان متوسّط الرمش لدى أعضاء الطائفة الأدنى بكثير. من مقطع فيديو لأعضاء طائفة "بوّابة السماء" الأمريكيّة (Heaven's Gate) | المصدر: Daniel X. O'Neil, Flickr

ماذا يمكن أن يعلّمنا الرمش عن أنفسنا؟

يرمش الإنسان العادي ما بين 10-20 مرّة في الدقيقة بالمعدّل، ما يعني أنّ الإنسان يقضي يوميًّا حوالي 44 دقيقة من اليقظة بينما يكون مغمض العينين. هل يمكن أن نتعلّم شيئًا من عدد رمشات أعيننا؟ عندما نتواصل مباشرة بالعين مع أشخاص آخرين، فإنّنا نميل إلى الرمش أكثر، وذلك لأنّ الرمش يلعب دورًا مهمًّا في التواصل بين الأشخاص. فعلى سبيل المثال، عندما نركّز في اختبار، فإنّنا نميل إلى الرمش بشكل أقلّ حتّى نفقد أقلّ قدر ممكن من المعلومات المرئيّة.

ماذا عن المشاعر؟ هل يمكن أن يخبرنا تردّد الرمش أيضًا عن الحالة النفسيّة للشخص؟ فحص الباحثون عدد الرمشات في الدقيقة لدى الأشخاص الّذين يعانون من الاكتئاب أو الّذين يفكّرون في الانتحار، مقارنة بالأشخاص الّذين يتمتّعون بحالة نفسيّة مستقرّة. لهذا الغرض؛ قاموا بفحص مقاطع فيديو لأعضاء طائفة "بوّابة السماء" الأمريكيّة (Heaven's Gate)، الّذين أقدموا على الانتحار الجماعيّ عام 1997. في الفترة الّتي سبقت العمليّة الانتحاريّة، قام 39 من أعضاء الطائفة بتصوير مقاطع فيديو وداعيّة وتحميلها على موقع يوتيوب. أحصى الباحثون عدد المرّات الّتي رمش فيها أعضاء الطائفة خلال الفيديو مقارنة بمقاطع فيديو لأشخاص مكتئبين لم ينتحروا، وأشخاص مستقرّين نفسيًّا.

تبيّن من مقاطع الفيديو أنّ الأشخاص الّذين يتمتّعون بحالة نفسيّة جيّدة يرمشون بمعدّل 28 مرّة في الدقيقة، والأشخاص الّذين يعانون من اكتئاب يرمشون 18 مرّة في الدقيقة، بينما رمش أعضاء الطائفة بمعدّل 16 مرّة في الدقيقة. على الرغم من أنّ متوسّط رمش أعضاء الطائفة كان الأدنى، إلّا أنّ الفرق بينهم وبين الأشخاص المكتئبين الآخرين لم يكن كبيرًا. في المقابل، كان عدد الرمش في الدقيقة في هاتين المجموعتين أقلّ بكثير من معدّل الرمش لدى الأشخاص المستقرّين نفسيًّا. نظرًا لأنّ الأشخاص المكتئبين أو الانتحاريّين يميلون إلى عدم مشاركة مشاعرهم مع الآخرين، فمن الممكن أن تكون مراقبة كميّة رمشاتهم بمثابة نافذة على عالمهم الداخليّ وتسمح بإحالتهم إلى المتخصّصين الّذين سيساعدونهم في التعامل مع مشاكلهم وبدء عمليّة الشفاء النفسيّ.

0 تعليقات