هناك ثلاثة عوامل رئيسة لديها صلة في معطيات سجلّات الحرارة الّتي تمّ تحطيمها مرّة أخرى هذا العام: النشاط البشريّ، بنية القارّات وظاهرة النينيو. العامل الأوّل فقط هو تحت سيطرتنا.

بلغ متوسّط ​​درجة حرارة الأرض في 22 يوليو 2024 17.16 درجة مئويّة. على الرغم من أنّ هذا لا يبدو مرتفعًا بشكل خاصّ، لكنّه أعلى متوسّط ​​درجة حرارة يوميّة تم قياسها على الإطلاق. حطّمت الرقم القياسيّ السابق البالغ 17.09 درجة مئويّة، والّذي استمرّ يومًا واحدًا فقط من قياسها في 21 يوليو، وجميع الأرقام القياسيّة السابقة الّتي تمّ قياسها في يوليو 2023.

السبب الرئيس لارتفاع معدّل تحطيم الأرقام القياسيّة لدرجات الحرارة هو تغيّر المناخ. منذ نهاية الثورة الصناعيّة الأولى، وبوتيرة آخذة بالازدياد منذ نهاية القرن العشرين، أصبح النشاط البشريّ مسؤولًا عن الزيادة الحادّة في كميّة غازات الدفيئة في الغلاف الجويّ وخاصّة ثاني أوكسيد الكربون المنبعث نتيجة احتراق الوقود الأحفوريّ مثل النفط والغاز الطبيعيّ. ومع استمرار ارتفاع تركيز  غازات الدفيئة في الغلاف الجويّ، سترتفع درجات الحرارة على الأرض أيضًا.


الإنسان مسؤول عن الزيادة الحادّة في كميّة غازات الدفيئة في الغلاف الجويّ وأزمة المناخ. احتراق الغاز الطبيعيّ | صورة: Evgenii Panov, Shutterstock

وتيرة متفاوتة

إذا كانت كميّة غازات الدفيئة في الغلاف الجويّ في تزايد مستمرّ، ومن المعلوم أنّه كلّما زاد تركيزها- كلّما كان الجوّ أكثر دفئًا، فلماذا لا ترتفع درجة الحرارة اليوميّة بشكل مستمرّ من يوم لآخر؟ للإجابة عن السؤال يجب علينا أوّلًا أن نفهم الفرق بين الطقس والمناخ.

يعكس الطقس حالة قصيرة المدى للجوّ في مكان معيّن ويمكن أن يتغيّر من يوم لآخر ومن ساعة لساعة. في فصل الشتاء في البلاد، على سبيل المثال، قد يكون اليوم باردًا وممطرًا على الرغم من أنّ اليوم السابق كان لا يزال مشمسًا ودافئًا. وفي الصيف قد يحدث أن يكون الليل في تل أبيب حارًّا ورطبًا بينما على بعد خمسين كيلومترًا يستمتع المقدسيّون ببرودة المساء اللطيفة. لكن عندما ننظر من منظور أوسع، ونتحقّق من متوسّط ​​مستوى الظروف الجويّة- درجة الحرارة، هطول الأمطار وتغيّر الفصول- على مدى عقود على الأقلّ، سوف نحصل على أنماط ثابتة إلى حدٍّ ما. هذا هو المناخ في منطقة معيّنة.

هذا الاختلاف هو المفتاح الّذي يمكن أن يسمح لنا بفهم المؤشّرات الّتي من المتوقّع أن تتغيّر مع زيادة مستوى غازات الدفيئة وتحديد التغيّرات في المناخ. عندما نقيس خلايا مساحة أكبر، لفترات زمنيّة أطول، سنكون قادرين على تحديد التغيّرات في المناخ بدقّة أكبر وناتجة مباشرة عن الزيادة في تركيز غازات الدفيئة، دون المعاناة من التحيّزات بسبب الظروف الجويّة المحدّدة في مكان أو آخر وفي وقت معيّن. تظهر القياسات طويلة المدى أنّه لم يتمّ تحطيم الأرقام القياسيّة لليوم الأكثر سخونة في العامين الماضيين فحسب، بل تمّ أيضًا تحطيم الأرقام القياسيّة الخاصّة بالشهر الأكثر سخونة (يوليو 2024) والسنة الأكثر سخونة (2023).


في السنوات الأخيرة، تمّ تحطيم الأرقام القياسيّة لدرجات الحرارة مجدّدًا. أعلى متوسّط ​​درجات الحرارة اليوميّة خلال الخمسين سنة الماضية | مصدر البيانات: ERA5، مصدر الرسم البيانيّ: C3S/ECMWF

لماذا يتمّ تحطيم الأرقام القياسيّة لدرجات الحرارة على وجه التحديد في شهري يوليو وأوغسطس؟ على الرغم من أنّ الصيف في هذه الفترة يكون في ذروته في نصف الكرة الشماليّ، إلّا أنّه في نصف الكرة الجنوبيّ يكون في ذروة الشتاء. تفسير ذلك يكمن في بنية القارّات على الكرة الأرضيّة. إنّ السعة الحراريّة لمياه المحيطات أعلى من تلك الموجودة في القارّات، لذلك تسخن المناطق البريّة وتبرد بشكل أسرع من المناطق البحريّة. وبما أنّ معظم مساحة اليابسة على الأرض تقع في نصف الكرة الشماليّ، فإنّ متوسّط ​​درجة الحرارة العالميّة سيكون أعلى في أشهر الصيف في نصف الكرة الشماليّ أي في شهري يوليو وأوغسطس.

لفهم سبب تحطيم الأرقام القياسيّة لدرجات الحرارة على وجه التحديد في السنوات 2023 و2024، يجب علينا الاطّلاع على دورة النينيو. ظاهرة النينيو هي دورة مناخيّة تؤثّر في درجات الحرارة وهطول الأمطار وأنماط الرياح في أجزاء كبيرة من الأرض، خاصّة حول المحيط الهادئ- أكبر مسطّح مائيّ على وجه الأرض. من آثارها أنّه في السنوات الّتي تسمّى "سنوات النينيو"، يضعف صعود المياه العميقة الباردة إلى الطبقات العليا من مياه المحيط في وسط وشرق المحيط الهادئ مقارنة بالسنوات العاديّة وسنوات النينيا حيث ينعكس الاتّجاه. نتيجة لذلك ترتفع درجة حرارة سطح البحر، ومعها متوسّط ​​درجة الحرارة العالميّة. إنّ سنتَي 2023 و2024 هما بالفعل سنتان  لظاهرة النينيو، كما هو الحال في سنة 2016، عندما تمّ تسجيل الرقم القياسيّ السنويّ السابق لدرجات الحرارة.

لقد وجدنا ثلاثة عوامل أدّت إلى تحطيم الأرقام القياسيّة لدرجات الحرارة مؤخّرًا: انبعاث غازات الدفيئة إلى الغلاف الجويّ نتيجة للنشاط البشريّ، موسم الصيف في نصف الكرة الشماليّ، وسنة عام ظاهرة النينيو. بما أنّنا لا نستطيع السيطرة على العاملين الأخيرين، فمن المهمّ أن نقلّل بأسرع ما يمكن من كميّة غازات الدفيئة الّتي نستمرّ في إطلاقها إلى الغلاف الجويّ، قبل أن نجد أنفسنا في لُبّ كارثة بيئيّة عالميّة.

0 تعليقات