ما هي الفئات الأكثر عِرضة لمخاطر مرض COVID-19؟ وما هي العوامل التي تجعل هذه الفئات أكثر تأثرا بمضاعفات المرض مقارنة بالآخرين؟
منذ أن تفشى مرض COVID-19 في مدينة ووهان الصينية في نهاية عام 2019، يسعى المجتمع العلمي جاهدًا إلى اكتشاف مجرى هذا المرض والتعرف على الخصائص البيولوجية لمسبب المرض: فيروس SARS-CoV-2. وقد تبين منذ البداية أن واحدا من كل 10 مصابين بالعدوى يطور أعراضًا صعبة ومهددة للحياة ، بينما لا يُظهر غالبية المصابين بالعدوى - ما يقارب الـ 80%- إلا أعراضًا طفيفةً فقط.
يتسم المرض، في الحالات الطفيفة، بأعراض كالحمى، الضعف، والسعال الجاف، مع فقدان مؤقت لحاستي الشم والذوق. وتفوق مدة المرض حتى الشفاء، حسب ما ورد من التقارير، غالبية الأمراض الفيروسية المألوفة لنا، إذ تبلغ حوالي أسبوعين للحالات المرضية الطفيفة، وبين 3 - 6 أسابيع في الحالات الصعبة.
تتميز الحالات الصعبة لـ COVID-19 بمضاعفات تتطلب المكوث في المستشفى، حتى في العناية المركزة في بعض الحالات وتشمل المضاعفات ضيق النفَس، الالتهاب الرئوي، متلازمة الضائقة التنفسية الحادة (ARDS)، وحتى تعفن الدم (Sepsis) في بعض الأحيان. قد تظهر هذه العوارض المرضية كنتيجة مباشرة لانتشار الفيروس في النسيج أو في الدم، جراء تلوث جرثومي ثانوي، أو بفعل ردة فعل مناعية مفرطة ضد الفيروس. وقد تسفر عوارض المرض المختلفة عن فشل أعضاء متعدد، ما يجعل من الضروري الاستعانة بأجهزة التنفس الاصطناعي أو حتى بجهاز الـ ECMO (جهاز الأكسجة الغشائية خارج الجسم) في الحالات الحرجة، وذلك للحلول محل الرئتَين.
لأن المرض جديد نسبيا، لا تزال المعلومات حول عوامل الخطر التي تزيد احتمال ظهور عوارض مهددة للحياة غير مكتملة. وكان مركز مكافحة الأمراض واتقائها (CDC) في الولايات المتحدة قد ذكر أن التقدم في السن، 65 عاما فما فوق، هو عامل خطر أساسي. كما أشار المركز إلى حالات طبية معينة، مثل المشاكل في عمل الجهاز المناعي، الأمراض القلبية، السمنة، الداء السُّكَّري، وأمراض الكلى والكبد، كعوامل تزيد الخطر بغضّ النظر عن عمر المريض. ونظرا لشيوع هذه الأمراض مع التقدم في السن، نجد مزيجا من عوامل الخطر لدى الكثير من ذوي الحالات المرضية الصعبة. لذلك، غالبًا ما تكون معالجة هذه الحالات في غاية التعقيد.
وبالفعل، تظهر البيانات الواردة من الدول التي استفحل فيها الوباء، كالولايات المتحدة، الصين، إيطاليا، إسبانيا، فرنسا، وبريطانيا، وجود فئات أكثر تأثرًا بمضاعفات المرض الخطرة وأكثر عرضة للوفاة من غيرها. فقد أشار تحليل شمولي (Meta-analysis) مشترك لبيانات من ست دراسات في الصين أن مرضى ضغط الدم، الداء السكري، الانسداد الرئوي المزمن (COPD)، وأمراض القلب والأوعية الدموية، هم أكثر الفئات عرضة للإصابة بأعراض ومضاعفات صعبة لمرض COVID-19.
وفي ولاية نيويورك، حيث تفشى الوباء على نطاق واسع منذ أكثر من شهر، تبيّن أن نسبة الوفاة كانت مرتفعة أكثر عند المرضى الذين كانوا يعانون من ضغط الدم المرتفع، الداء السكري، الكولسترول المرتفع، أمراض القلب والأوعية الدموية، و COPD. أما الأمراض السرطانية وأمراض الكلى فهي في مكان أدنى في قائمة عوامل الخطر.
الحرارة المرتفعة، ضيق النفس، والسعال - أبرز ثلاثة أعراض لمرض كورونا COVID-19 | مصدر الرسم: Shutterstock, JAEHWAN GOH
تتألف إحدى الفئات الأكثر عرضة لمضاعفات مرض الكورونا, على نحو مماثل للإنفلونزا الموسمية, من الأفراد الذين يعانون من السمنة المفرطة بالاضافة إلى داء السكّري; وتُدرج السمنة المفرطة هي ايضًا ضمن عوامل الخطر لمرض الكورونا. ويرجح أن خطر السمنة المفرطة, والبطنية على وجه التحديد, ينجم عن إفراز الأنسجة الدهنية لِسيتوكينات قد تؤدي لتشويش وإضطراب لأداء جهاز المناعة عند إصابة الجسم بتلوث جرثومي أو فيروسي. كما يعرف بأن السمنة البطنية تحدث ضغطًا ميكانيكيًا على جهاز التنفس, وعلى أسفل الرئة بالتحديد - وهي أكثر أجزاء الرئة عرضة للتلوثات الثانوية والالتهابات الرئوية - .ولعل ما يزيد الخطر على الفئة هذه هو ما تلحقه السمنة والسُكّري, معًا ,من إجهاد على القلب والكلى; فبالإضافة إلى مضار السمنة على القلب والأوعية الدموية, يقوم داء السكّري في مراحله المتأخرة, وخاصة إذا لم يتم موازنته من خلال الحمية او العلاج, بإتلاف أنسجة القلب والكلى بشكل جسيم.
مرضى السكري معرّضون بشكل خاص لمضاعفات عدوى كورونا. أجهزة فحص وعلاج مرض السكري| تصوير: Shutterstock ، Gecko Studio
كورونا قريبٌ من القلب
تتصدر أمراض القلب والأوعية الدموية لائحة عوامل الخطر لمرض COVID-19; في حين أن الغموض مازال يكتنف الآليات المرضية الدقيقة المسببة لذلك. مع ذلك, تقول إحدى الفرضيات الرائجة أن ألامر يرجع إلى علاقة الفيروس ببروتين ACE2, والذي يتواجد بالأساس على أسطح الخلايا الظهارية في الرئتين, ولكنه يتواجد ايضا, بنسب متفاوتة, على أسطح الخلايا الظهارية لأعضاء أخرى بالإضافة لاسطح الخلايا البطانية في الأوعية الدموية والقلب; فقد تم سابقًا إثبات أن فيروس SARS-CoV-2, وبشكل حصري, يخترق الخلايا من خلال الارتباط به.
كما تبين من دراسة أجريت على الفئران المخبرية أنه باستطاعة فيروس SARS, وهو فيروس اخر من عائلة فيروسات الكورونا, إصابة خلايا القلب على غرار خلايا الرئة. وتتوافق نتائج هذه الدراسة مع نتائج دراسة تحليلية أخرى أجريت على ضحايا بشرية لفيروس SARS, حيث تبين وجود مواد الفيروس الوراثية في أنسجة القلب.
تشير النتائج الأولية بأن COVID-19, على نحو مماثل ل SARS, يلحق ضررا بأنسجة القلب عند بعض المرضى الذين يعانون من حالات شديدة للمرض. وأفضت النتائج هذه بالباحثين إلى الافتراض بأن الفيروس يستطيع إصابة خلايا عضلة القلب والتسبب بما يترتب على ذلك من ضرر بأداء القلب. وما زال هذا الادعاء بمحض فرضية فقط, إذ لم تثبت صحته بعد, كما لم يتبين إن كان هنالك سبب آخر لضرر القلب, كإصابة عضلة القلب جراء عاصفة سيتوكينات أو سبب آخر لم يتم اكتشافه بعد.
أشارت دراسات أخرى, صدرت من الصين وايطاليا, الى كون ضغط الدم المرتفع عامل خطر بارز إضافي يرفع من نسب الوفاة بشكل واضح. وبالرغم من عدم إيضاح الأسباب لذلك بعد, إلا أن الدلائل الحالية تشير إلى إختلال التفاعل القائم بين جهاز المناعة وآليات ضغط الدم كسبب محتمل; وقد تقدم الفرضية هذه, ذا ما تم إثباتها فعلا, تفسيرا محتملًا لإرتفاع نسبة الوفاة عند فئة مرضى ضغط الدم.
ويقول طرح آخر, في ذات السياق, بأن الخطر ينجم عن الأدوية التي تعطى لمرضى ضغط الدم المرتفع, فضلًا عن ضغط الدم المرتفع نفسه. تتكون أغلب العلاجات من مركبات تعيق نشاط مجموعة من الانزيمات التي تعرف ب Angiotensin-converting" enzymes"; تتسع الاوعية الدموية في غياب النشاط الأنزيمي لهذه المجموعة ما يؤدي إلى انخفاض الضغط الدموي المنشود. ويعتمد هذا الطرح على نتائج وردت عن دراسات أجريت على الجرذان, والتي أفادت بأن تناول الأدوية هذه يؤدي إلى إرتفاع ملحوظ لكميات البروتين ACE2, الضروري لدخول الفيروس إلى الخلايا كما ذكرنا أعلاه, على أسطح الخلايا الظهارية في المسالك التنفسية, وكذلك في خلايا كل من جهاز النقل (الأوعية الدموية) وجهاز الهضم. بالرغم من أن نتائج الدراسات هذه تقتصر على مشاهدات في الجرذان فقط, يرجح الباحثين وجود الظاهرة ذاتها عند البشر, بل يفترضون لها دورا أساسيا بزيادة خطر مضاعفات مرض الكورونا عند فئة مرضى ضغط الدم المرتفع. على الناحية الأخرى, أظهرت دراسة تعرُّض أمريكية (Cohort study), تم بموجبها متابعة معطيات 8,910 مصاب بالكورونا في عدة مراكز صحية آسيوية, عدم وجود صلة لتناول أدوية ضغط الدم بارتفاع نسبة الوفاة من الكورونا. وقد يقتضي الأمر بإجراء دراسات إضافية للكشف عن الآليات الفعلية التي تجعل فئة مرضى ضغط الدم المرتفع أكثر عرضة للفيروس من غيرهم.
قد يحتاج مرضى الكورونا في الحالات الصعبة إلى دعم تنفسي. مريضة كورونا تتلقى علاجًا بالكسجين | المصدر: Shutterstock, Halfpoint
هل مرضى السرطان أكثر عرضةً لمخاطر الكورونا ؟
يعتبر مرضى السرطان, بحسب بعض الدراسات, من الفئات الأكثر عرضة لمخاطر ومضاعفات الكورونا. فسرطانات الدم (leukemia) مثلًا تلحق اضرارًا جسيمة بأداء خلايا المناعة, فهي تحد لذلك من قدرة المرضى في مواجهة الامراض التلوثية, بما فيها مرض COVID-19. كما تتسبب بعض علاجات السرطانات الكيماوية والمكثفة, بالاضافة إلى استهداف الخلايا السرطانية, بإخلال منظومة تكوين خلايا المناعة في النخاع العظمي (Hematopoiesis), وبالتالي إلى إحداث فشل مناعي. وعلى نحو مماثل, يتلقى كل من المصابون بأمراض المناعة الذاتية - حيث يهاجم جهاز المناعة خلايا وانسجة الجسم السليمة- والمرضى الذين تمت لهم عملية زرع أعضاء, أدوية تهبط من اداء جهاز المناعة وتؤدي إلى حالات من نقص المناعة; فتحِدُ هي الأخرى من قدرة هؤلاء المرضى منقوصي المناعة من مواجهة الأمراض المعدية.
وتدل البيانات الواردة من مدينة ووهان الصينية بأن مرضى السرطان معرضون فعلا لمخاطر ومضاعفات الكورونا المُهَدِدَة للحياة أكثر من غيرهم; بلغت نسبة الوفاة عن مرضى السرطان الـ 5.6%, بينما وقفت نسبة الوفاة الإجمالية على 2.3% فقط. لم تتناول البيانات هذه أي إعتبار لأنواع السرطانات المختلفة, شدة المرض, أو نوع العلاج الذي يتلقاه المرضى. وأدلى تحليل بيانات المرضى في الولايات المتحدة بنزعة مشابهة, حيث تعدت نسبة الوفاة عند مرضى السرطان ما يقارب ال30%, بينما تبلغ نسبة الوفاة الإجمالية ال10%, كما أشارت الدراسة هذه على ازدياد خطر الوفاة ضمن مرضى شتى أنواع السرطان, بما فيها سرطانات الدم, الرئتين, الجهاز الهضمي و جهاز التناسل الأنثوي.
هل يجدر بمرضى الرَّبْو أن يتنفسوا الصعداء
تشير غالبية الدراسات, خلاف لكل التوقعات, بأن ألرَّبْو لا يشكل عامل خطر جدير بالذكر للإصابة بمضاعفات مرض الكورونا. قد يعود السبب الى إختلاف رد الفعل المناعي لمرضى الرَّبو, أو, من ناحية أخرى, إلى أن العلاجات التي يتلاقاه مرضى الرَّبو, والتي تشمل الستيرويدات القِشرية والموسعات الصدرية الإسنشاقية, قد تشكل عاملا واقيًا, يقلل من مخاطر مرض الكورونا وعوارضه الصعبة. واظهرت تجارب مخبرية أجريت على انسجة خلوية بأن للستيرويدات القشرية دور فعال إعاقة نشاط الفيروس وتكاثره بل وانخفاض مستوى الأفرازات السيتوكينية. ولا تعني الاستنتاجات هذه, بالرغم من ما توحيه, أن ندرج علاجات الربّو ضمن علاجات الكورونا, إذ أن تجارب سابقة كانت قد أجريت على مرضى الSARS قد سبق وأظهرت بعدم جدواها بل ومضارها.
جدلية التدخين
بالرغم من أن التدخين لا يعد حالة مرضية بحد ذاتها, إلا أنه يعتبر عامل خطر للكثير من الأمراض, وخاصة تلك التي ذكرت في هذه المقالة من أمراض القلب والأوعية الدموية, وأمراض المسالك التنفسية والسرطان. وأثارت دراسة فرنسية, لم تمر برقابة الزملاء بعد, جدلًا حين صرحت أن التدخين يقي من الاصابة بفيروس الكورونا; فقد تبين من التدقيق في معطيات 343 مرضى الكورونا الذين يتلقون العلاج في نفس المركز حيث تمت الدراسة أن نسبة المدخنين من المرضى تصغر نسبة المدخنين من مجموع السكان بشكل ملحوظ. فراح يدعو بعض الباحثين باستكشاف استخدام لصقات النيكوتين كعلاجًا واقيا للإصابة بالكورونا, علمًا بعدم وجود أي دليل يشير إلى علاقة النيكوتين بقدرة الفيروس على الإصابة. أضف إلى ذلك تعارض استنتاجات هذه الدراسة مع تلك التي صدرت من إحصائيات عدة, حيث تبين أن التدخين هو حقًا عامل خطر يزيد من شدة مرض COVID-19 ومضاعفاته.
ويجدر بنا التنويه بضرورة إلتزام الفئات المعرضة للخطر بعلاجاتهم إضافة إلى الألتزام بتعليمات التباعد الأجتماعي والنظافة الشخصية.
التدقيق اللغوي: أ. موسى جبران
الإشراف والتحرير: رقيّة صبّاح أبو دعابس