يُطلب في العادة من المرضى إكمال العلاج بالمضادّات الحيويّة حتّى آخر جرعة، بغضّ النظر عن الأعراض. هل من المهمّ دائمًا الانتهاء من تناول المضادّات الحيويّة أم أنّ هناك خيارات أفضل؟
أنتِ مريضة وتشعرين بالتعب. تشعرين بوعكة. قامت الطبيبة بفحصك ووصفت لك علاجًا بالمضادّات الحيويّة. شرح لك الصيدلانيّ في الصيدليّة كيفيّة تناول الدواء، وتحدّث عن آثاره الجانبيّة، واختتم: من المهمّ جدًّا إكمال العلاج حتّى الجرعة الأخيرة. كونكم مرضى حذرين ومسؤولين، سوف ترغبون بالتأكيد باتّباع التعليمات والتعافي بسرعة، ولهذا السبب تقومون بتناول الدواء كلّ يوم وفقًا للتعليمات. تمرّ بضعة أيّام، وفي صباح أحد الأيّام تستيقظون وأنتم تشعرون بتحسّن، ولكن لا تزال هناك أقراص متبقية في عبوة المضادّ الحيويّ لبضعة أيّام أخرى من العلاج. ماذا تفعلون؟
في محاضرة ألقاها ألكسندر فليمنج في حفل جائزة نوبل في الطب عام 1945، وصف حالة افتراضيّة لشخص مصاب بالتهاب في الحلق يعالج نفسه بالمضادّات الحيويّة: "إنّه يتناول البنسلين بكميّة ليست كافية لقتل البكتيريا العقديّة، ولكنّها كافية لتطوير مقاومة لها"، وأضاف محذّرًا: "عند استخدام البنسلين- يجب استخدام كميّة كافية". على الرغم من أنَّ فليمنج ربّما كان يقصد تناول جرعات صغيرة جدًّا، إلّا أنّ أعضاء المجتمع الطبّيّ خلصوا إلى أنّ تناول الدواء لفترة قصيرة جدًّا يمكن أن يعزّز المقاومة.
وقد ساهم هذا الاستنتاج إلى حدّ كبير في تشكيل وجهة النظر المتعارف عليها لدى الأطباء، الصيادلة والمرضى على حدّ سواء في العقود الأخيرة، والّتي بموجبها من المهمّ إكمال العلاج بالمضادّات الحيويّة حتّى النهاية. يعتمد هذا الرأي على فكرتين لا تدعمهما الحقائق بالضرورة: الأولى، أنّ العلاج القصير بالمضادّات الحيويّة غير فعّال؛ والثاني، يؤدّي العلاج القصير إلى تطوّر بكتيريا مقاومة للمضادّات الحيويّة.
وأكدّ الصيدلانيّ في الصيدليّة: من المهمّ جدًّا إكمال العلاج حتّى الجرعة الأخيرة. صيدلانيّ ومريض في صيدليّة | Shutterstock, Gligatron
ماذا يقول الأطبّاء
إنّ فكرة العلاج القصير بالمضادّات الحيويّة كونه أقلّ فعاليّة من العلاج الطويل كانت راسخة بقوّة في المجتمع الطبّيّ لسنوات. اعتاد العديد من الأطبّاء على وصف بروتوكول مضادّ حيويّ موحّد طوال الوقت عندما يواجهون عدوى شائعة، باعتبارها "حقيقة عالميّة"، ولا يراقبون الاستجابة للعلاج على الإطلاق. ومع ذلك، أصبح من الواضح تدريجيًّا أنّ دورات العلاج القصيرة بالمضادّات الحيويّة لا تقلّ فعاليّة عن الدورات الطويلة، وبالتأكيد عندما يتعلّق الأمر بالعدوى البسيطة، وهي الأكثر شيوعًا في طبّ العائلة.
على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجريت سنة 2009 أنّ العلاج بالمضادّات الحيويّة لمدّة خمسة أيّام تقريبًا في التهاب الجيوب الأنفيّة يكون فعّالًا مثل العلاج لمدّة عشرة أيّام. ومن الممكن أيضًا التعافي من الالتهاب الرئويّ بعد خمسة أيّام فقط من العلاج. وحتّى عندما يتعلّق الأمر بعدوى حادّة لدى المرضى في المستشفيات، فقد قدّمت مراجعة للدراسات الّتي أُجرِيت سنة 2018 أدلّة قويّة على اتّباع نهج قصير الأمد. وكان الاستنتاج هو أنّ العلاج القصير يمكن مقارنته من حيث الفعاليّة بالعلاج المطوّل في حالات الالتهاب الرئويّ أو عدوى المسالك البوليّة.
ومن المعلوم أنّ هناك أيضًا حالات طبيّة لا ينصح فيها بتقصير دورة العلاج، على سبيل المثال التهاب الحلق الناجم عن البكتيريا العقديّة، والّذي قد يؤدّي أيضًا إلى تلف المفاصل والقلب إذا لم يتمّ التخلّص منه تمامًا، أو التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال الصغار، والّذي يميل إلى العودة بسبب بنية آذان الأطفال. الحالات الأخرى الّتي لا ينصح فيها بتقصير مدّة العلاج هي الالتهابات المزمنة مثل التهاب نخاع العظم، أو العدوى المستمرّة الّتي تميل إلى العودة، أو الالتهابات العميقة مثل التهاب الشغاف، والّتي يمكن أن تكون قاتلة.
لقد أصبح من الواضح تدريجيًّا أنّ دورات العلاج القصيرة بالمضادّات الحيويّة لا تقلّ فعاليّة عن الدورات الطويلة. امرأة تحمل الدواء وتنظر إلى الهاتف | Yavdat, Shutterstock
هل يجب أن أتوقّف عندما تختفي الأعراض؟
حتّى الآن، كان من الشائع توجيه المرضى لإكمال العلاج بالمضادّات الحيويّة حتّى النهاية كما هو موصوف، حتّى لو خفّت أعراض المرض أو اختفت، وذلك لمنع تكرار العدوى ولمنع البكتيريا من تطوير مقاومة للدواء. يتّضح اليوم أنّه في كثير من الحالات، من الممكن تمامًا إيقاف العلاج بمجرّد أن تخفّ الأعراض، ويبدو أنّ وقف العلاج لن يؤدّي إلى تكرار المرض أو تطوّر المقاومة.
تحت أيّة ظروف يكون من الصحيح إيقاف العلاج في حال اختفاء الأعراض؟ على سبيل المثال، عندما يتمّ إعطاء المضادّات الحيويّة قبل التعرّف على البكتيريا أو حتّى دون التأكد من أنّها عدوى بالفعل، أو عندما يتمّ تشخيص العدوى الّتي عادة ما تختفي من تلقاء نفسها، مثل التهاب الملتحمة أو التهاب الشعب الهوائيّة.
في الواقع، السؤال الرئيس هو هل العلاج المقدّم له ما يبرّره في المقام الأوّل. يجب على الطبيب أن يأخذ في عين الاعتبار مجموعة من الاحتمالات: هل من المحتمل أن تكون هذه عدوى بكتيريّة، وهل ستحسّن المضادّات الحيويّة الحالة؟ هل يمكن أن تختفي العدوى دون علاج؟ هل ستكون للعلاج آثار جانبيّة؟ وهل من الممكن الانتظار مع الدواء حتّى يتمّ تحديد نوع البكتيريا بشكل مؤكّد.
إذا كان احتمال تأثير المضادّات الحيويّة في الشفاء ضئيلًا أو معدومًا- فمن الممكن التوقّف مع مرور الأعراض، وكان من الأفضل عدم بدء العلاج بالمضادّات الحيويّة من البداية. وبالفعل، هناك بروتوكولات توجّه الأطبّاء إلى الانتظار حتّى يتمّ التعرّف على البكتيريا قبل إعطاء المضادّات الحيويّة، أو تجنّبها تمامًا والاكتفاء بمراقبة الأعراض.
ولكن ماذا عن الحالات الّتي لا يوجد شكّ في أنّ المضادّات الحيويّة مفيدة فيها؟ وهنا أيضًا، من المفيد التفكير في تقصير العلاج، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل، مثلًا، إذا كان العلاج طويلًا بما يكفي لمحاربة العدوى المعيّنة الموجودة، أو إذا كان التوقّف عن استخدام الدواء قد يزيد من خطر الإصابة بالمرض، عودة أو تطوير مقاومة للبكتيريا.
بالمقابل، في بعض الحالات يكون من الواضح مسبقًا أنّه لا ينبغي إيقاف العلاج مبكّرًا، حتّى لو اختفت الأعراض- على سبيل المثال عندما يكون الالتهاب حادًّا أو معقّدًا. يُنصح أيضًا للنساء الحوامل اللّاتي يعانين من التهاب المسالك البوليّة بدون أعراض والأشخاص الّذين يعانون من ضعف المناعة باستهلاك العلاج بالمضادّات الحيويّة بالكامل.
يجب على الطبيب أن يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الاحتمالات لتحديد ما إذا كان سيتمّ إعطاء العلاج بالمضادّات الحيويّة، وما هي مدّته. طبيب يعطي وصفة طبيّة لمريض | Shutterstock, Joyseulay
العلاج القصير بالمضادّات الحيويّة يؤدّي إلى المقاومة- أليس كذلك؟
إلى جانب الافتراض بأنّ العلاج القصير غير فعّال، تعتمد سياسة العلاج السائدة أيضًا على فكرة أخرى وأكثر قبولًا في المجتمع الطبي، على الرغم من أنّها غير مدعومة بأدلّة كافية: يشجّع العلاج القصير جدًّا على تطوّر البكتيريا المقاومة للمضادّات الحيويّة. هكذا كانوا يدرسون في مدارس الطبّ والصيدلة قبل ثلاثين عامًا وأيضًا قبل عقد من الزمن. ومع ذلك، تشير الأدلّة إلى أنّ هذا تصوّر خاطئ، والعكس تمامًا هو الصحيح- فالتعرّض الطويل للمضادّات الحيويّة هو الذي ينشّط ضغط الانتقاء الطبيعيّ، والنتيجة هي القضاء على البكتيريا الضعيفة وتهيئة المجال للبكتيريا المقاومة. وكلّما طالت مدّة التعرّض، زادت فرصة ظهور المقاومة.
تنشأ حالات العدوى عادة عندما تغزو مجموعة صغيرة من الكائنات الحيّة الدقيقة أنسجة المضيف- إنسان أو كائن حيّ آخر- وتبدأ في التكاثر. أثناء التكاثر، يمكن حدوث طفرات جينيّة عشوائيّة تجعل البكتيريا مقاومة للمضادّات الحيويّة، ولن ينجو سوى أصحابها من العلاج القادم بالمضادّات الحيويّة. يمكن حدوث مثل هذه المقاومة عندما تكون جرعة المضادّ الحيويّ منخفضة للغاية، أو عند استخدام مضادّ حيويّ واحد بدلًا من دمج عدّة أنواع. وهذا أيضًا سيناريو قد تحدّث عنه فليمنج في محاضرته.
يمكن للبكتيريا الّتي قد تطوّر مقاومة أثناء العلاج أن تصيب أشخاصًا آخرين أو تظهر مرّة أخرى في نفس المريض بعد العلاج. من بينها، مسبّبات مرض السلّ، السيلان وحمّى التيفوئيد.
ومن المهمّ التمييز بين هذه المقاومة، الّتي تحقّقها البكتيريا "الغازية"، وبين المقاومة الثانويّة، والّتي تحدث في الكائنات الحيّة الدقيقة الّتي تعيش بشكل دائم على الجلد وفي الجهاز الهضميّ دون إزعاج. وهؤلاء هم في الواقع المسؤولون الرئيسون عن خطورة ظاهرة المقاومة. عندما يتناول شخص ما مضادًّا حيويًّا لعلاج بعض أنواع العدوى، فإنّ تلك الكائنات الحيّة الدقيقة، والّتي تكون غير ضارّة عادةً، يمكن أن تطوّر مقاومة بنفسها وتنقلها إلى سلالات أو أنواع أخرى، ومن ثمّ يكون هناك احتمال كبير للضرر. وبالتالي، بسبب إعطاء المضادّات الحيويّة، قد يفسح المجال لسلالات مقاومة، ما قد يساهم في الإصابة بالبكتيريا الضارّة في المستقبل.
من الصعب المبالغة في الأهميّة الهائلة للمضادّات الحيويّة في الطبّ الحديث، مع ذلك، فإنّ مقاومة المضادّات الحيويّة تشكّل تهديدًا حقيقيًّا للبشريّة. تعتبر العلاقة بين التعرّض للمضادّات الحيويّة وتطوّر المقاومة لها مؤكّدة سواء على مستوى السكّان وعلى مستوى الفرد المريض. وللتخفيف من ظاهرة المقاومة، لا بدّ من الحدّ من الاستخدام غير الضروريّ.
هناك عدّة أسباب لتفضيل العلاج القصير بالمضادّات الحيويّة- فهو أقلّ تكلفة، ومن المرجّح أن يكمله المرضى، وستكون الآثار الجانبيّة المحتملة أيضًا محدودة في الوقت المناسب. وتظهر الدراسات الجديدة أنّه بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تعرّض البكتيريا للمضادّات الحيويّة لفترة قصيرة يقلّل من فرصة تطوير مقاومة للعلاج.
أثناء التكاثر، يمكن أن تحدث طفرات جينيّة عشوائيّة، ما يمنح البكتيريا مقاومة للمضادّات الحيويّة. رسم توضيحيّ لبكتيريا مقاومة للمضادّات الحيويّة | Shutterstock, nobeastsofierce
مقاومة المضادّات الحيويّة هي واقع
ومن وجهة نظر تطوّريّة، ليس هناك مفرّ من تطوّر البكتيريا المقاومة للمضادّات الحيويّة. أوّلًا، يترك استخدام المضادّات الحيويّة مجموعات بكتيريّة مقاومة بشكل طبيعيّ على قيد الحياة. ثانيًا، من منظور عالميّ عامّ، فإنّ أيّ تعرّض للمضادّات الحيويّة، وليس مجرّد الاستخدام المفرط أو غير الصحيح لها، يشجّع على تطوّر المقاومة. ثالثًا، المضادّات الحيويّة هي موادّ طبيعيّة تنتجها الكائنات الحيّة الدقيقة ضدّ خصائص البكتيريا المختلفة، مثل جدار الخليّة أو آليّات إنتاج البروتين فيها.
وبعد مليارات السنين من التطوّر، من المحتمل أن تكون البكتيريا قد طوّرت آليّات مقاومة لمعظم طرق العمل ضدّها. فقد تمّ اكتشاف البكتيريا المقاومة للمضادّات الحيويّة في الكهوف الّتي كانت معزولة جيولوجيًّا عن العالم الخارجيّ لمدّة أربعة ملايين سنة. كلّ هذا يوضّح كيف أنّ مقاومة البكتيريا للمضادّات الحيويّة هي ظاهرة طبيعيّة وواسعة الانتشار.
في السنوات الأخيرة، أصبحت مخاطر مقاومة المضادّات الحيويّة أكثر وضوحًا، ومعها تتزايد جهود إعلاميّة تبذلها الهيئات الصحيّة العالميّة. وقد أوضحت دراسة استقصائيّة أجرتها منظّمة الصحّة العالميّة بين عشرة آلاف مشارك في اثنتي عشرة دولة مدى عدم فهم قضيّة مقاومة المضادّات الحيويّة.
يعتقد ثلثا المشاركين أنّ المضادّات الحيويّة فعّالة في علاج نزلات البرد والأنفلونزا، وهما مرضان فيروسيّان لا تؤثّر فيهما المضادّات الحيويّة على الإطلاق؛ ورأى ثلث المشاركين أنّه يجب التوقّف عن تناول الدواء فور الشعور بالتحسّن، خلافًا لنصيحة الطبيب؛ ويعتقد ثلثا المشاركين أنّه طالما يتناول الشخص المضادّات الحيويّة وفقًا للتوجيهات، فإنّه يكون محصّنًا ضدّ العدوى ببكتيريا مقاومة؛ ويعتقد ثلاثة أرباعهم أنّ مقاومة المضادّات الحيويّة هي ظاهرة تتطوّر عند البشر، وليس البكتيريا. ليس هناك شكّ أنّ هناك حاجة لعمليّة توعية منهجيّة في الموضوع.
تستند التوصيات إلى حدّ كبير على خبرة الطبيب المعالج والاتفاقيّات في هذا المجال، وليس بالضرورة على الأدلّة الفعليّة. مريض مع الكبسولات وكوب من الماء | Shutterstock, Artem Sokolov
كيف يتمّ تحديد مدّة العلاج؟
في معظم أنواع العدوى، توصي بروتوكولات العلاج بالمضادّات الحيويّة بتناولها 5-14 يومًا، اعتمادًا على التشخيص. ومع ذلك، فإنّ التوصيات تعتمد إلى حدّ كبير على خبرة الطبيب المعالج والمقبول في هذا المجال، وليس بالضرورة على الأدلّة الفعليّة؛ الأبحاث في هذا المجال محدودة وتكون البروتوكولات المقبولة في كثير من الحالات تعسّفيّة. قال بول ساكس (Sax)، الخبير الأمريكيّ في الأمراض المعدية، مازحًا إنّ الإجابة عن السؤال: "لماذا قرّروا أنّ العلاج بالمضادّات الحيويّة النموذجيّة سيستمر خمسة أو سبعة أيّام، وليس ستّة أو ثمانية، معروفة فقط لنخبة الخبراء، وتتعلّق بعدد أصابع اليد وعدد أيّام الأسبوع. أعني أنّه لا يوجد تفسير علميّ حقًّا".
في بداية عصر البنسلين، كان العلاج النموذجيّ يستمرّ ما بين يوم وأربعة أيّام ويؤدّي إلى نتائج ممتازة. على مرّ السنين، انخفضت فعاليّة المضادّات الحيويّة بسبب الاستخدام المفرط، لذلك، أصبحت مدّة العلاج الموصى بها أطول. ومع ذلك، فإنّ بعض أعراض العدوى البكتيريّة هي في الواقع تعبير عن استجابة الجسم للغزو، وليس بالضرورة بسبب وجود بكتيريا حيّة، لذلك قد نشعر بالمرض حتّى بعد القضاء على جميع البكتيريا. من الممكن أن يتمّ القضاء على البكتيريا في عدد لا بأس به من المرضى في نهاية يوم أو يومين من العلاج، وتعتبر خمسة أيّام من العلاج تجاوزًا لما هو مطلوب لعلاج معظمهم.
ومع ذلك، فإنّ النظام الطبّيّ، ذا الموارد المحدودة، لا يستطيع التخطيط لعلاج شخصيّ لكلّ مريض. تدفع الرغبة في علاج جميع المرضى إلى حقيقة أنّ البعض يتلقّون علاجًا زائدًا. ليس من المستحيل أنّ رغبة الأطبّاء في زيادة معدّلات نجاح العلاج بين مرضاهم قدر الإمكان تسبّبت في علاج دوائيّ طويل جدًّا وغير ضروريّ.
ومن حسن الحظّ أنّ دعم العلاج القصير بالمضادّات الحيويّة أصبح راسخًا والاعتراف بأنّه فعّال مثل العلاج الطويل، مع القيمة المضافة المتمثّلة في الحدّ من التعرّض للدواء، ما يقلّل من الآثار الجانبيّة والمقاومة البكتيريّة. ويبقى الآن غرس هذا المفهوم أيضًا في أذهان صانعي السياسات الصحيّة والأطبّاء والصيادلة وبالطبع المرضى، وفي نفس الوقت توسيع البحث حول المدّة الموصى بها لتناول كلّ دواء.
في المحصّلة
المضادّات الحيويّة هي مورد محدود ومن المهمّ استخدامها بحكمة. فكرة أنّ العلاج القصير يعزّز تطوّر البكتيريا المقاومة لا تدعمها الأدلّة، ومن المرجّح أن يكون العكس هو الصحيح. وهناك أدلّة كثيرة على أنّ فعاليّة العلاج لا تقلّ عندما يكون قصيرًا، وذلك حسب نوع الإصابة بالطبع. إضافة إلى ذلك، فإنّ العلاج القصير له مزايا كثيرة: تقليل التعب، القلق والآثار الجانبيّة، انخفاض التكلفة وتقليل هدر الأدوية. على الرغم من أنّ الطبّ علميًّا ليس قادرًا دائمًا على التمييز بين الاختلافات بين الأشخاص وتكييف العلاج الفرديّ لكلّ فرد، إلّا أنّ التعليمات الشاملة "إنهاء العلاج بالمضادّات الحيويّة" تبدو قد فات وقتها.
سيتعافى بعض المرضى بشكل أسرع من غيرهم، من الّذين تلقّوا نفس العلاج، وسيحتاج آخرون إلى العلاج الكامل للتعافي. لذلك ينصح بالاهتمام بالجسم والانتباه إذا انتهت أعراض المرض. حتّى لو كنت تشعر بالارتياح بالفعل، فمن المهمّ استشارة الطبيبة بشأن التوقّف المبكّر عن تناول المضادّات الحيويّة. لقد عالجت الطبيبة العديد من المرضى في مواقف مماثلة، ولديها ما يكفي من المعرفة والخبرة لصياغة توصية حكيمة.