"الجميع يعلم" أنّ النساء حسّاساتٌ تجاه البرد أكثر من الرجال. ماذا يدّعي عالَم الأبحاث حول هذا الموضوع؟
قرّرت ميراف ميخائيلي، وزيرة المواصلات في الكنيست عام 2021، رفع درجة حرارة مكيّف الهواء في القطار، مدعيةً أنّ "الإناث يشعرن دائمًا بالبرودة أكثر". كما زعمت ميخائيلي أنّ "العالم يحكمه الرجال إلى حدٍّ ما". في الواقع، تاريخيًّا، تأسّست دراسة علم وظائف الأعضاء البشريّة بشكل كامل تقريبًا على الجسد الذكريّ، مع الافتراض أنّه من الممكن أن يمثّل ويفيد البشرية بأكملها. لكن قبل اتّخاذ قرارات حاسمة حول من يشعر بالبرودة أكثر، من المفيد فحص الأدلّة القليلة التي تمّ جمعها في الدراسات حتّى الآن.
كيف نشعر بالتغيّرات في درجة الحرارة؟ ينتج جسم الإنسان الحرارة باستمرار، لكنّه يحافظ على حرارة تبلغ حوالي 37 درجةً، بدون علاقة للظروف البيئيّة - سواء كان الجوّ حارًا أم لا. لتحقيق ذلك، يحتاج الدماغ إلى مراقبة درجة الحرارة بشكل دائم، بمساعدة المستقبلات الحسّاسة للحرارة، الموجودة على سطح الجلد وفي أعماق الجسم، وتتيح استشعار الحرارة. تؤثّر درجة الحرارة المحيطة بنا بشكل مباشر على حرارة الجسم، ولهذا تنتشر معظم المستقبلات على سطح الجلد، وبما أنّ بعض الأعضاء الداخليّة - بما في ذلك الأمعاء والحبل الشوكيّ وحتّى بعض المناطق في الدماغ - تنشط كثيرًا بشكل طبيعيّ، فإنّ ذلك قد يؤدّي إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم، ولهذا السبب توجد مستقبلات في هذه المناطق أيضًا. إذا اختلّ توازن درجة حرارة الجسم، فإنّ الدماغ ينشط سلسلة من العمليّات التلقائيّة، مثل التعرّق والسلوكيّات، مثل البحث عن ظلّ، للشعور بالبرودة واستعادة التوازن الحراريّ في الجسم.
تميل النساء إلى الإبلاغ عن انزعاج أكبر من الرجال، سواء في حالات الحرارة الشديدة أو عندما يشعرن بالبرد الشديد. امرأة تمسح العرق في يوم حارّ | Pheelings media, Shutterstock
ما الذي يسبّب الاختلافات؟
ليس من المستهجن وجود اختلافات في تفضيلات درجة الحرارة بين النساء والرجال، حيث تمّ البحث ودراسة الاختلافات بين الجنسين في استشعار درجة الحرارة لأكثر من عقد. تظهر الدراسات أنه عند نفس درجة الحرارة - سواء كانت حارّة أو باردة - تميل النساء إلى الإبلاغ عن عدم الراحة أكثر من الرجال. علاوةً على ذلك، تستشعر النساء التغيّرات في درجة الحرارة قبل الرجال. نعرف عامّة أنّ التعرّق يساعد في تنظيم درجة حرارة الجسم، حيث إذا تعرّقنا سنرغب بالانتقال إلى مكان أكثر برودة، ذلك على الرغم من أنّ البشر ليس لديهم مستقبلات لرطوبة الجلد. أظهرت إحدى الدراسات أنّ النساء أكثر حساسيّة لرطوبة الجلد، وذلك بفضل المستقبلات الحسّاسة للبرد التي تساعدنا في ملاحظة أنّ الجلد رطب بشكل خاص. أحد التفسيرات المقترحة لهذا الاختلاف بين النساء والرجال هو الحاجة التطوّريّة للفصل بين الجنسين في فترات معيّنة، كما هو الحال في التنافس على الموارد، أو حماية النسل.
عند محاولة فهم الأسباب الفيزيولوجيّة لهذه الاختلافات، ركّزت معظم الدراسات على تأثير اختلاف معدّل التمثيل الغذائيّ، دور الهرمونات الجنسيّة الأنثويّة على العمليّات اللاإراديّة، الدورة الشهريّة، بنية الجسم والفيزياء الحيوية الخاصّة به. مع ذلك، لم تعتبر العديد من الجوانب الأخرى لاستشعار درجة الحرارة من وجهة نظر بحثيّة، مثل عدد المستقبلات وتوزيعها، وسلوكيّات التنظيم الحراريّ المرتبطة بالعوامل النفسيّة والثقافيّة. أُعتبر الادّعاء بأنّ الاختلافات فسيولوجيًّا الجسم عادةً ما تكون مسؤولةً عن اختلاف شعور النساء والرجال بالحرارة مجرد إجماع، حتّى السنوات الأخيرة، حين تمّ التحقيق في هذه القضيّة بطرق أعمق. تملي الخصائص البيوفيزيائيّة على الجسم تنظيم درجة الحرارة، وقد تكون الاختلافات الأساسيّة في بنية الجسم بين النساء والرجال سببًا رئيسيًّا في اختلاف استشعار درجة الحرارة. مع ذلك، هناك أدلّة على أنّ النساء يلاحِظن درجة الحرارة ويكنّ أكثر وعيًا لها،بغضّ النظر عن خصائصهِنّ الجسديّة.
هل يمكن الاستنتاج أنّ النساء يشعرن بالبرودة أكثر؟ ليس بالضبط. تناولت عدد لا بأس به من الأبحاث الاختلافات بين الرجال والنساء في سياق استشعار درجة الحرارة، وتمكّنت في تحديد فيما إذا كان تغيير درجة الحرارة ناتجًا عن عوامل داخليّة، على سبيل المثال نتيجة النشاط البدنيّ، أو ناتجًا عن مصدر خارجيّ، مثل التدفئة. كذلك، تناولت بعض الدراسات الحساسيّة للحرارة بدلًا من البرودة، على الرغم من أنّ جسم الإنسان لديه مستقبلات لكل من الحرارة والبرودة. مع ذلك، لم تظهر بعضها اختلافات كبيرة في هذا الصدد.
وتبيّن أنّ النساء لا يشعرن دائمًا بالبرد أكثر من الرجال. رجل وامرأة يشعرون برد في منزلهما | Studio Romantic, Shutterstock
نتائج متأرجحة
على الرغم من الاعتقاد الشائع، كشفت دراسة جديدة أجراها باحثون من المعاهد الوطنيّة للصحّة بالولايات المتّحدة (NIH)، عن عدم وجود اختلافات بين الجنسين في استشعار درجة الحرارة الباردة، ولم يتمّ العثور إلّا على اختلافات قليلة في تكيّف الجسم إليها. خلال التجربة، قضت مجموعة مكوّنة من 28 امرأة ورجلًا خمس ساعات في غرفة يمكن التحكّم بدرجة حرارتها، حيث ارتدى جميعهم نفس الملابس المقدّمة لهم: قميص، سروال قصير وجوارب. تمّ اختبار المشاركين كلّ يوم فسيولوجيًّا، وطُلب منهم تقييم راحتهم في درجات حرارة تتراوح بين 17 إلى 31 درجة مئويّة. أظهرت النتائج أنّه لدى النساء درجة حرارة جسم أعلى قليلًا في درجات الحرارة المنخفضة مقارنةً بالرجال. لم تلاحظ فروق بين الجنسين في استهلاك الجلوكوز في الخلايا، النشاط الكهربائيّ للعضلات، درجة حرارة الجلد، أو إنتاج الحرارة الناتجة في درجات حرارة باردة. أظهرت النتائج أنّ المشاركات الإناث أنتجت حرارة أقلّ من المشاركين الذكور، بسبب كونهن أصغر حجمًا، مع ذلك، فإنّ نسبة الدهون لديهنّ أعلى، مما عوّض عن هذا الاختلاف. بناءً على النتائج، استنتج الباحثون أنّ الحدّ الأدنى من الراحة لجسد الأنثى يكون تقريبًا عند درجة حرارة 22 درجة مئويّة، وهي درجة مئويّة أقلّ من تلك الملائمة للذكور. وعند أدنى درجة حرارة -17 درجة مئويّة - لم يتمّ العثور على فروق بين الجنسين في مستوى الراحة، أو في الوقت الذي استغرقوه للرجف بسبب البرد.
تزيد النتائج المتناقضة من الحاجة إلى المزيد من الدراسات المتعمّقة، لتحديد ما إذا كانت النساء تشعر بالبرد أكثر من الرجال. علاوة على ذلك، من المهم أن نتذكّر أنّ العديد من العوامل تؤثّر على استشعار درجة الحرارة واختلافات الشعور، مثل الأدوية المنتظمة، حجم الجسم، ونسبة الدهون والمزيد. تناولت الدراسات حول هذا الموضوع فقط عاملًا واحدًا أو اثنين، وبالتالي هناك حاجة إلى دراسات أوسع، مع عيّنة أكبر وأكثر تنوّعًا، والتي تعتبر عوامل متعدّدة. في هذه الأثناء، تستمرّ المعركة حول المكيّف، ولا تتعلّق بالضرورة بالجنس أو بالجنسانيّة.