تتناثر جُلُّ الشحنات الكهربائيّة الّتي يُفَرِّغُها البرق، عند اصطدامه بالبحر، على سطح الماء وليس في الأعماق نحو القاع، بخلاف ما يحدث عندما يضرب البرقُ اليابسة؛ وسبب ذلك أنّ ماء البحر جيّد التوصيل للتيّار الكهربائيّ
يحتضن الكثيرون منّا،عند حلول الشتاء في كلّ عام، لِحافهم ملقين أنظارهم من وراء نافذة الغرفة نحو الأمطار الشديدة الهاطلة والبرق المصاحب لها. تحصل ظاهرة البرق عادةً عندما تُفرَّغُ الشحنات الكهربائيّة السالبة المتراكمة في الغيوم بسرعة نحو تجمّع من الشحنات الموجبة في محيط الغيمة. غالبًا ما تُفرّغ الشحنات الكهربائيّة في غيمة من الغيوم المجاورة، بينما يصيب الأرض ربع ضربات البرق فقط. تشير الدّراسة الّتي أجرتها وكالة الفضاء الأمريكيّة ناسا أنّ اصطدام البرق بالماء بسطح الأرض ظاهرة شديدة النُّدرة، وذلك لتعذُّر تكوُّن العواصف الرعديّة فوق الماء بالمقارنة مع إمكانيّة تكوّنها فوق اليابسة. رغم ذلك، لا بدّ من التساؤل: ما الّذي يحصل عندما يرتطم البرق بمياه البحار والمحيطات؟ هل يُشكِّلُ ذلك خطرًا على البشر، أو الأسماك أوالسفن الّتي في البحر؟ وكيف يمكن تقليل الضرر المحتمل إلى الحدّ الأدنى؟
دعنا نحاول أوّلًا أن نفهم ما سيحدث عندما يصيبُ البرقُ الماءَ، ثمَّ نحاول بعدها أن نفهم مدى خطورة هذه الظاهرة. البرق، في معظم الحالات، تيّارٌ بالغ الشدّة من الشحنات الكهربائيّة السالبة، تنتقل من الغيوم إلى الأرض، وفي هذا السياق، إلى الماء. يتكوّن تجمّعٌ ذو تركيز عالٍ من الشحنات الكهربائيّة السالبة في نقطة ارتطام البرق بالأرض، وتتناثر هذه الشحنات بسرعة من نقطة الاصطدام إلى شتّى الاتجاهات، إلى أن ينفد فائض الشحنات. يحدث ذلك أيضًا عندما يرتطم البرق بالماء، باختلاف واحدٍ هامّ، هو أنّ حركة الشحنات الكهربائيّة داخل مياه البحر والمحيط، ذات التوصيل الكهربائيّ العالي، تختلف عن حركتها داخل اليابسة ذات التوصيل الكهربائيّ الأقلّ. تُمرِّرُ الأجسام جيّدة التوصيل الكهربائيّ التيّار الكهربائيّ عادةً على سطحها الخارجي وليس في داخلها. تتحرّك، لهذا السبب، غالبيّة الشحنات الكهربائيّة الّتي تمّ تفريغها من البرق، من نقطة اصطدام البرق بالسطح على سطح الماء وليس داخل الماء إلى الأعماق. يختلف هذا الشكل من انتشار الشحنات الكهربائيّة وتناثرها عن صورة تناثرها عند اصطدام البرق باليابسة.
تتحرّك غالبيّة الشحنات الكهربائيّة الّتي يخلّفها البرق على سطح الماء. صورة البرق فوق البحر الأسود | تصوير: Svet_Feo, Shutterstock
ما هو مدى الخطورة؟
هيا بنا نتطرّق الآن، بعد أن فهمنا الناحية الفيزيائيّة التي تفسّر ما يحدث، إلى مدى خطورة اصطدام البرق بمياه البحر والمحيط على الإنسان والحيوان. نسأل أوّلًا: ما الّذي سيحدث للشخص الّذي يطفو على سطح الماء عندما يصيب البرق ناحيةً قريبة من مكان وجوده؟
يبلغ الجهد الكهربائيّ بين الغيمة وبين الأرض، عند تكوّن البُرقة الاعتياديّة، عشرات ملايين الفولتات (نحو مليون ضعف الجهد الكهربائيّ الّذي يزوّده المقبس البيتيّ)، ويولّد هذا الجهد تيّارًا كهربائيًّا يصل مقداره إلى ثلاثين ألف أمبير، من الغيمة إلى نقطة تلاقي البُرقة مع الأرض. تُعادل شدّة هذا التيّار أكثرَ من ألف ضعف شدّة التيّار الّذي يؤدّي إلى الموت. يميل التيّار الكهربائيّ، رغم ذلك، إلى أن يمرّ من الماء جيّد التوصيل ذي المقاومة الأقلّ، بدل أن يمرّ من خلال أيّ حاجز آخر له مقاومة أعلى. يمرُّ جزءٌ واحدٌ من ألف من التيّار الّذي يتكوّن داخل الماء من خلال جسم الإنسان؛ لأنّ مقاومة الجسم للتيّار الكهربائيّ تفوق مقاومة الماء بألف مرّة. يقلّ تركيز الشحنات الكهربائيّة وينخفض الجهد الكهربائيّ على سطح الماء كلّما ازداد البعد عن نقطة تلامس البرق مع الماء؛ يشعر الشخص الموجود على بعد عشرات الأمتار من نقطة تلامس البرق مع الماء بلسعة خفيفة ليس إلّا. أمّا الشخص الّذي يسبح على مقربة من نقطة إصابة البرق فيكون معرّضًا للتكهرب. كذلك هو الأمر بالنسبة لأسماك البحر (أو الشخص الّذي يغوص تحت الماء)، وقد يكون البعد الآمن أقلّ من ذلك لأنّ الموادّ الموصلة، على ضوء ما أوردناه آنفًا، تمرّر جزءًا بسيطًا من التيّار من داخلها وليس على سطحها.
أخطر ما يكون عند حدوث عاصفة رعديّة فوق ماء البحر أو المحيط هو التواجد فوق سطح الماء، لأنّ البرق "يبحث" عن أسهل طريق من الغيمة إلى الأرض (أو الماء في هذه الحالة) فيجدها من خلال جسم الإنسان أو السفينة ذات المقاومة الأقلّ بكثير من مقاومة الهواء. الخطر ذاته قائم عند إصابة البرق باليابسة، إلّا أنّه توجد عليها عادةً حينئذٍ أشياء أكثر ممّا في عرض البحر أو المحيط، وتكون أعلى منّا، وتوصيلها الكهربائيّ أفضل من توصيل أجسامنا، كالأشجار والمباني.