كيف يؤثّر القمر في حدوث المدّ والجزر في المحيطات على جانبَي الكرة الأرضيّة في نفس الوقت، ولماذا لا نرى المدّ والجزر في البحيرات؟ (ليس تمامًا: إذا نظرنا جيّدًا، فسَنراهما يحدثان)

المدّ والجزر هما تغيّرات دوريّة في ارتفاع مستوى سطح البحر، ناجمة عن تأثير قوّة جاذبيّة القمر في الكرة الأرضيّة. يحدث المدّ والجزر في كلّ نقطة في العالم مرّتَين في اليوم، وذلك في دورات مدّتها 12:25 ساعة، ما يعادل نصف الزمن اللازم لكلّ نقطة على الكرة الأرضيّة للمرور في المنطقة الأكثر قربًا من القمر. يحدث المدّ، في كلّ لحظة، في منطقتين منفصلتين من الكرة الأرضيّة. يحدث أحدهما في الجانب الأقرب إلى القمر، ويحدث المدّ الآخر في الجانب المقابل، الأبعد عن القمر. يمكن تخيّل المدّ كقطعٍ ناقص (المنحنى الهندسيّ الإهليلج) من المياه يدور حول الكرة الأرضيّة الصلبة، والّذي محوره الطوليّ موازٍ دائمًا للمحور الّذي يصل بين مركز الكرة الأرضيّة وبين القمر.

هناك اعتقاد خاطئ مفاده أنّ جاذبيّة القمر هي الّتي "تسحب" الماء من على سطح الكرة الأرضيّة. لكنّ التغيّرات الّتي تحدث على مستوى مياه المحيطات تحصل في الواقع بتأثير ظاهرة فيزيائيّة أخرى، والّتي تُفسّر لماذا يحدث المدّ في الجانب البعيد عن القمر أيضًا، ما لا يمكن عزوه  لقوّة جاذبيّة القمر. 

تختلف شدّة تأثير جاذبيّة القمر في كلّ نقطة ونقطة على سطح الكرة الأرضيّة. "تشعر" النقطة الأقرب إلى القمر بأشدّ قوّة جاذبيّة، و"تشعر" النقطة الأبعد عن القمر، المقابِلة، بأضعف قوّة جاذبيّة. تؤثّر في النقطة الوسطى من الكرة الأرضيّة، الموجودة بين هاتين النقطتين المتطرّفتين (الأقرب إلى القمر، والأبعد عنه)، قوّة جاذبيّة أضعف من تلك الّتي تؤثّر في النقطة الأقرب إلى القمر، وأشدّ من قوّة الجاذبيّة الّتي تؤثّر في النقطة الأبعد عن القمر، ويمكن اعتبارها، في هذا الصدد، متوسِّط شدّة قوّة جاذبيّة القمر على الكرة الأرضيّة. 

ما يسبّب ظاهرة المدّ هو عدم تساوي قوّة جاذبيّة القمر المؤثّرة في المناطق المختلفة على الكرة الأرضيّة، ويجد ذلك تفسيرًا له في قوّة المدّ والجزر (tidal force). يختلف تأثير قوة المدّ والجزر في النقاط المختلفة على سطح الكرة الأرضيّة. يتمّ حساب قوّة المدّ والجزر على نقطة معيّنة على سطح الكرة الأرضيّة عن طريق طرح متوسّط قوّة جاذبيّة القمر (الّتي تؤثّر في النقطة الوسطى من الكرة الأرضيّة) من قوّة جاذبيّته الّتي تؤثّر في النقطة المعيّنة. تتمدّد أقرب نقطة على الكرة الأرضيّة من القمر باتّجاهه نظرًا لأنّ قوّة جاذبيّة القمر الّتي تؤثّر فيها أكبر من متوسّط قوّة الجاذبيّة. أمّا النقطة الأبعد عن القمر فإنّها تتمدّد بعيدًا عن القمر، ذلك لأنّ قوّة المدّ المؤثّرة فيها  هي ذات إشارة سالبة؛ لأنّ قوّة جاذبيّة القمر الّتي تؤثّر فيها أقلّ من متوسّط قوّة الجاذبيّة. قوّة الجاذبيّة الّتي تؤثّر في المساحة المحيطة بالكرة الأرضيّة، والّتي تُكوّن زاوية مقدارها 90 درجة مع المحور الّذي يصل بين مركز الكرة الأرضيّة وبين القمر، تساوي تقريبًا متوسّط قوّة الجاذبيّة، بحيث تُبطل إحداهما الأخرى. نتيجة لذلك؛ فإنّ القوّة الوحيدة، ظاهريًّا، والّتي تؤثّر في هذه المساحة من الكرة الأرضيّة هي قوّة جاذبيّتها (الأرض) فقط، الأمر الّذي يؤدّي إلى انضغاطها (المساحة) نحو جوف الكرة الأرضيّة. 

كلّما ازداد بُعد النقطة على سطح الأرض عن المحور الواصل بين مركز الكرة الأرضيّة وبين القمر (أي بزاوية 90 درجة بالنسبة له) فإنّها "تُسحبُ" نحو مركز الكرة الأرضيّة، وكلّما اقتربت النقطة من المحور فإنّها ستبتعد عن مركز الكرة الأرضيّة. تؤدّي قوّة جاذبيّة القمر، عمليًّا، لامتداد الكرة الأرضيّة على محور معيّن، ولانقباضها على المحور المعامد له. إنّها تغييرات بسيطة جدًّا، إلّا أنّها تؤدّي إلى تكوّن دورات المدّ والجزر، اللّذين نراهما ونشعر بهما، بسبب المساحة الهائلة لسطح المحيطات وبسبب قدرة المياه على التحرّك بسهولة. 

 

مسألةُ حجم

إذا كنّا نرى ونشعر بتأثير قوّة المدّ والجزر في المياه الموجودة على سطح الكرة الأرضيّة، لماذا إذًا لا نراهُما ونشعُر بهما في البحيرات؟ تؤثّر قوّة المدّ والجزر، في الواقع، في البحيرات أيضًا، وفي  كلّ الأجسام الموجودة على الكرة الأرضيّة. إلّا أنّ المساحة المحدودة لِسطح المياه في البحيرات لا تتيح لها مجالًا واسعًا من الحركة يكفي لتكوّن فروقٍ ملحوظة في مستويات الماء بين ضفتَي البحيرة. تعدّ بحيرات سوبيريور وميشيݞين في أمريكا الشماليّة من أكبر البحيرات الموجودة على وجه الكرة الأرضيّة. تحدث في هذه البحيرات دورات من المدّ تؤدّي إلى تغيّر بمستوى سطح الماء يبلغ بضعة سنتيمترات، إلّا أنّ ريحًا خفيفة تكفي لتكوّن أمواج أعلى من ذلك، ما يمنع، عمليًّا، إمكانيّة رؤية المدّ.

بما أنّ المحيطات على الكرة الأرضيّة متّصلة ببعضها، كنّا نتوقّع، وفقًا لقانون الأواني المستطرقة، أن تكون فروق الارتفاع الّتي تتكوّن خلال دورات المدّ متطابقة في كلّ نقطة ونقطة على امتداد الشواطئ ومن حولها. إلّا أنّ الحال ليس كذلك، إذ تحدث تغيّرات مختلفة في مستوى سطح الماء في قطاعات الشواطئ المختلفة. العوامل الّتي تؤثّر في مدى التغيير في مستوى سطح الماء هي كميّة الماء الموجودة بالقرب من الشاطئ وجغرافية المنطقة: تحدث تغيّرات أكثر حِدّةً في مستوى سطح الماء في الخلجان الضحلة والمفتوحة، كما في خليج باندي شرقيّ كندا، والّذي تُحدِثُ فيه دورات المدّ تغيّرات في مستوى سطح الماء تفوق الـ 16 مترًا، وهي الأكبر عالميًّا. أمّا في أحواض المياه ذات الفتحة الضيّقة، مثل البحر الأبيض المتوسّط وبحر البلطيق، فإنّ المضائق الّتي تُقفِلها تعمل كمِحقن يعيق حركة الماء، فتكون التغيّرات في مستوى سطح الماء أقلّ بكثير. 

لا تؤثر قوّة المدّ والجزر في المحيطات فحسب، بل في الغلاف الجوّيّ أيضًا، وتؤثّر بقدر معيّن حتّى في الكرة الأرضيّة بحدّ ذاتها (Earth tide). لا تبقى الكرة الأرضيّة مكتوفة الأيدي، فهي تؤثّر بقوّة مدٍّ في القمر تؤدّي بدورها إلى حدوث الهزّات الأرضيّة، ولتوخّي الدّقّة، الهزّات القمريّة. 

0 تعليقات