تم تطوير الأدوية التي تحاكي الهرمون الطبيعي GLP-1 بالأساس لعلاج مرض السكري - لكن أُكتشف أنها تساعد في تقليل الشهية وتحفز الشعور بالشبع
شهدنا في العقود الأخيرة تطوّر الطّبّ الغربيّ بوتيرة مذهلة، حيث أدّى إلى تحسين جودة الحياة كثيرًا، من بين أمور أخرى من خلال اللّقاحات المبتكرة، أدوية متقدّمة لعلاج مرض السّرطان، القدرة على التّنبّؤ بالأمراض بناءً على الشّريط الوراثيّ "جينوم"، والإجراءات الجراحيّة البسيطة والمزيد. لكن، وبالرّغم من كلّ هذه العلاجات المتوفّرة، يبدو أنّه لم يُعثَر على دواء أو حل مناسب حتّى الآن للسّمنة، الّتي تضرّ بصحّة مئات الملايين من النّاس في العالم.
العالم سمين
يعاني الكثير من السّكّان حول العالم من السّمنة؛ يعاني حوالي 39% من البالغين في العالم، وحوالي 20% من الشباب (تحت سن 18) من زيادة الوزن. لا تُعتبر السّمنة مشكلة تجميليّة فحسب، بل تُعرَّف أيضًا على أنّها مرض يسبّب أضرارًا صحّيّة تراكميّة في كلّ أجهزة الجسم تقريبًا، والّتي أحيانًا لا رجعة فيها. يبدو للوهلة الأولى أنّ حلَّ مرض السّمنة بسيط ومقدور عليه، وهو ببساطة فقدان الوزن، أو بشكل أكثر دقّة - تقليل نسبة الدّهون في جسمنا، ولكن هل من السّهل تنفيذه حقًا؟ تشير الدراسات إلى أن الحميات الغذائية لإنقاص الوزن بجميع أنواعها تفشل في حوالي 80% من الحالات، ممّا يعني أنّ الشّخص الّذي يتّبع نظامًا غذائيًّا سيستعيد جزءًا كبيرًا من الوزن الّذي فقده في غضون عام، وأحيانًا أكثر من ذلك. لذلك، كان للارتفاع المستمرّ في معدّلات السمنة العالميّة دورًا في دخول جراحات السّمنة، مثل ربط المعدة والعديد من الأدوية إلى السوق، بهدف مكافحة وباء السّمنة بطرق أكثر توغلًا من النّظام الغذائيّ التّقليديّ. مؤخّرًا، أصبحت أدوية إنقاص الوزن من فئة GLP-1 agonist شائعة، وتُعرف باسم "دواء التّنحيف"، فهل تمّ العثور على الدّواء الرّائع لفقدان الوزن؟
هناك عدة أدوار لهرمون GLP-1 ، لكن أهميته تتجلى بشكل أساسي في عملية الهضم. هيكل بروتين الهرمون GLP-1
GLP-1 : خلق الشعور بالشبع
يحاكي الدواء عمل مادة موجودة بشكل طبيعي في أجسامنا: الببتيد شبيه بالجلوكاجون-1 (Glucagon-like peptide, GLP-1)، وهو هرمون بروتيني يُنتَج ويًفرَز بشكل طبيعي من الخلايا الطّلائيّة المعويّة أثناء تناول الطّعام، ومن هناك ينتقل في مجرى الدّم لاستهداف أعضاء مثل الكبد، البنكرياس، المعدة والدّماغ. تتعدّد أدوار هذا الهرمون في جسم الإنسان، لكنّ أهمّيّته تتجلّى بشكل أساسيّ في عمليّة الهضم، والحفاظ على عمليّات أيض طبيعيّة. أحد الأهداف المهمّة للأيض هو تنظيم مستويات السّكّر في الدّم (الّذي نستهلكه عن طريق الأكل) عن طريق إدخاله للخلايا من مجرى الدم - وهو أمر ضروريّ لبقاء الخلايا وعملها بشكل سليم. للقيام بذلك، ينتقل GLP-1 في مجرى الدم، ويصل إلى خلايا معيّنة في البنكرياس، والّتي تُدعى خلايا بيتا - المسؤولة عن إنتاج الأنسولين، ويحفّزها على إفراز المزيد من الأنسولين. يعتبر الأنسولين هرمونًا بروتينيًّا أيضًا، يعمل بمثابة "محقان" يسمح للسّكّر الموجود في الأوعية الدّمويّة بالدّخول إلى الخلايا من خلال قنوات مخصّصة، حيث تستخدمه الخلايا لإنتاج الطّاقة. ممّا يعني أنّ انخفاض الهرمون GLP-1 يُسبّب انخفاضًا بكمّيّة الأنسولين الّتي تفرز بالدّم، لذلك لا تتلقّى الخلايا كمّيّة السّكّر المناسبة لنشاطها. على إثر ذلك، لا يدخل السّكّر إلى الخلايا، ويتراكم في الأوعية الدّمويّة، ممّا يعتبر عاملًا رئيسيًّا في الإصابة بمرض السّكّريّ. لذلك، يلعب GLP-1 دورًا مهمًا في تنظيم دخول السكر إلى خلايا الجسم، توفير الطاقة اللازمة للخلايا، والوقاية من الأمراض الأيضية.
بالاضافة إلى ذلك، يلعب GLP-1 دورًا مهمًّا في تنظيم الشّعور بالجوع. أوّلًا، فإنّه يبطئ انتقال الطّعام من المعدة إلى الأمعاء، ولذلك، تبقى المعدة ممتلئة لفترة أطول. تقوم المعدة بإرسال إشارات إلى منطقة الوطاء (hypothalamus) في الدّماغ بعدم وجود حاجة لمزيد من الطعام، ممّا يمنحنا شعورًا إضافيًّا بالشّبع. ثانيًا، يؤثّر GLP-1 على خلايا ألفا في البنكرياس، المسؤولة عن إنتاج هرمون الجلوكاجون وإفرازه، والّذي يعتبر مسؤولًا عن تنبيه الجسم إلى حالات الجوع (نقص السّكّر في الدّم). يقوم هذا الهرمون بتحليل مخازن الطّاقة وإفراز السّكّر في الدّم، وبالتّالي فإنّ تحديد إفرازه يؤدّي إلى الشّعور بالشّبع لفترة طويلة.
يلعب هرمون GLP-1 دورًا مهمًا في تنظيم الشعور بالجوع. رسم توضيحي للهرمون وتأثيراته المختلفة على البنكرياس، المعدة والدماغ| | Shutterstock, Designua
من مرض السكري إلى إنقاص الوزن
لذلك، بفضل تأثيرات هرمون GLP-1 العديدة على الأيض في جسم الإنسان، حدّده الباحثون كدواء محتمل لأمراض الأيض، ممّا مهّد الطّريق لإنتاج الهرمون بشكل مصطنع كعلاج طبّيّ. بما أنّ هرمون GLP-1 يقوم بموازنة مستويات السّكّر في الدّم، عن طريق زيادة إفراز الأنسولين من البنكرياس، استُخدِم بشكل أوّليّ في عام 2005، وما يزال يستخدم حتّى يومنا هذا، كدواء لعلاج مرض السّكّريّ من نوع 2، وهم مرضى يعانون من عجز خلايا البنكرياس على إنتاج الأنسولين بشكل كافٍ. مع تحقيق الدواء نجاحًا وازدياد استهلاكه، تراكمت الأدلّة من المرضى على أنّه يسبّب انخفاضًا بالشّهية وفقدان الوزن، بالإضافة إلى موازنة السّكّر في الدّم. أثارت هذه الحقيقة اهتمامًا كبيرًا بين الباحثين وشركات الأدوية، في توجيه هذا الدواء كعلاج لإنقاص الوزن. في الواقع، بعد إجراء العديد من الدّراسات، وجد أنّ هذه الأدوية فعّالة في تقليل الشّهية وإنقاص الوزن بحوالي 5%-10% من وزن الجسم، الأمر الّذي يتجاوز فقدان الوزن الّذي تحقّق من خلال التّمارين الرّياضيّة والنّظام الغذائيّ. بناءً على ذلك، تمّت الموافقة على استخدام أوّل دواء يعتمد على GLP-1 لإنقاص الوزن في عام 2014. تمّت الموافقة على هذه الأدوية لمن هم في سنّ 12 عامًا وأكثر، ممّن لديهم مؤشّر كتلة جسم مرتفع (BMI)، أي أولئك الّذين يعانون من السّمنة مع وجود مخاطر صحّيّة. تُستخدم هذه الأدوية اليوم في إسرائيل، فبعضها على شكل حقنة، والبعض الآخر على شكل أقراص أو كبسولة، والحصول عليها يستلزم وصفة طبّيّة.
هل ستنجح الأدوية التي تعتمد على هرمون GLP-1 بإنقاص الوزن، بخلاف الأنظمة الغذائية؟ حقنة تحتوي على دواء GLP-1 agonist على طبق | shutterstock, Douglas Cliff
الاستخدام الآمن
لقد مرّ ما يقرب من عقدين من الزمن منذ بداية استخدام هذا الهرمون كدواء، وحتى الآن لم يتم اكتشاف آثار جانبية كبيرة في غالبية المرضى. تتضمن الآثار الجانبية الغثيان، القيء، و عسر الهضم، والتي تعتبر خفيفة وتزول في غضون أيام وأسابيع قليلة. ومع ذلك، لا يوجد إجماع حتى الآن حول وجود آثار جانبية خطيرة، وبشكل خاص الإصابة بالأورام السرطانية. نظرًا لأن GLP-1 يؤثر ليس فقط على خلايا بيتا وألفا في البنكرياس، بل أيضًا على خلايا معينة في الغدة الدرقية، فمن المشتبه أن الأدوية التي تعتمد على هذا الهرمون تزيد من خطر الإصابة بالأورام السرطانية في هذه الغدة. ومع ذلك، حتى الآن تم اكتشاف هذا التأثير بشكل رئيسي في خلايا القوارض التي تمت زراعتها في المختبر، وعلى ما يبدو ليس لديه تأثير على البشر. على مرّ السنين، أُجرريت العديد من الدراسات للتحقق مما إذا كان استخدام هذه الأدوية يزيد من خطر الإصابة بالتهاب أو سرطان الغدة الدرقية أو البنكرياس، ولكن حتى الآن لم يتم التوصل إلى نتائج واضحة، ولا تزال الآراء متباينة. لذلك، هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات لتحديد ما إذا كانت الأدوية التي تعتمد على GLP-1 لها بالفعل آثار جانبية حادة كهذه. في الوقت الحالي، يعتبر استخدام هذه الأدوية آمنُا لمعظم السكان، وتفوق فوائد الدواء في إنقاص الوزن، وموازنة مرض السكري أي ضرر محتمل لم يتم إثباته بعد. ومع ذلك، لا يُسمح للمرضى الذين يعانون من مرض أو لديهم خلفية عائلية من أورام الغدة الدرقية أو البنكرياس باستخدام هذه الأدوية، خوفًا من تفاقم المرض أو زيادة المخاطر الموجودة.
على الرغم من فعاليتها الكبيرة في عملية إنقاص الوزن، علينا أن نفهم أنّ هذه الأدوية ليست أدوية سحريّة. بحيث تتطلّب متابعة من قبل فريق طبي والامتثال لنظام غذائيّ صحيّ ونشاط بدنيّ ملائم. تعتمد مدّة العلاج على مدى فاعليّة الدّواء لكلّ مريض بشكل خاصّ، وأحيانًا لا تكون مدّة العلاج محدودة طالما أنّها تسهم في إنقاص الوزن. كما أنه يُمنع استخدام هذه الأدوية لبعض المرضى، مثل المرضى الّذين يعانون من مشاكل في القلب، مشاكل هضميّة حادّة، النّساء الحوامل، وكما ذكرنا، المرضى الذين يعانون أو لديهم خلفية عائلية لأورام البنكرياس والغدة الدرقية.
نتيجة للنجاح الكبير الذي حققته الأدوية التي تعتمد على GLP-1، والترويج الواسع لها على شبكات التواصل الاجتماعية، يلجأ العديد من الأشخاص الذين يرغبون في إنقاص وزنهم إلى "السوق السوداء" للأدوية، بسبب عدم استيفائهم لمعايير الحصول على وصفة طبية بشكل قانوني. لكن، تكون بعض هذه الأدوية غير أصلية. أدت هذه الظاهرة المقلقة إلى إصدار هيئة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة (FDA) تحذيرًا بشأن استخدام الأدوية غير القانونية وغير الأصلية، وذلك لأنها قد تحتوي على مواد مختلفة عن تلك الموجودة في الدواء الأصلي، وبالتالي لا تكون فعالة بشكل كافي. تم الكشف عن بعض الحالات التي تعرّض فيها الأشخاص للخطر، نتيجة تناولهم للأدوية غير الأصلية، الذي لم يتم الإشراف عليها وقد تكون سامة، بالإضافة إلى نقص المراقبة الطبية المطلوبة في تناول الأدوية هذه.